د.عبدالرحيم محمود جاموس
لقد تبخرت آثار وهم الانتصار المزعوم الذي حققته معركة سيف القدس، الذي توهمته حركة حماس، والذي تجلى في الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي في أيار الماضي على قطاع غزة، وقد استهلكته حركة حماس في غير مكانه، وقد بانت عورات هذا الانتصار عندما انحرف توظيفه داخلياً من قبل قيادة حركة حماس في خدمة وتعزيز الانقسام، ومن ثم في توجيه ضربة موجعة لمشروع الحوار الوطني لأجل إتمام المصالحة، وإرساء الخطوات الاساسية نحو تحقيق الوحدة الوطنية، والتي كان أول خطواتها تشكيل حكومة وطنية ترجمةً لهذا الانتصار، وترجمة للوحدة الوطنية التي جسدها وأبرزها الميدان في كل الأراضي الفلسطينية، في القدس والضفة وقطاع غزة وفي الأرض المحتلة عام ثمانية وأربعين، حين أصاب قيادات حركة حماس الغرور، وظنت بالله الظنون، أنها قد اقتربت الساعة للإطاحة بفتح من قيادة السلطة ومن قيادة (م.ت.ف) بدلاً من العمل معها على بناء الشراكة الوطنية، ومع الكل الوطني السباق في الفاعلية والنضال والوجود في ساحة القضية الفلسطينية وفي ميدان الكفاح الوطني.
لقد نفشت قيادة حركة حماس ريشها أكثر مما يجب وأكثر مما تستحق، وقد انهالت عليها التبريكات، والاتصالات، والاستقبالات من الداعمين المغررين بها من جهة، ومن قبل الحاقدين على فتح ودورها الوطني من جهة أخرى، لكن لم يمض أكثر من شهرين على هذا الانتصار المزعوم، حتى عادت مطالب حماس أكثر تواضعاً أمام الصلف والعنت الصهيوني، ولا تتعدى استعادة الوضع والعلاقة التي كانت عليها قبل الانتصار في الحادي عشر من مايو الماضي، والقبول بالعودة ثانية إلى مربع التهدئة مقابل المطالبة بالعمل على سرعة الإعمار، تنفيساً للضغط الداخلي قبل أن يحصل ويقع الانفجار في وجهها، والعمل على تخفيف الحصار وتنفيس الضغط الداخلي الذي يتزايد يوماً بعد يوم قبل أن يقع فعلاً الانفجار، بسبب الظروف الصعبة التي خلفها العدوان.
فقد تم استهلاك روح الوحدة الوطنية التي أحدثتها هبة القدس والشيخ جراح في غير مكانها، بل تمت إضاعة الفرصة الذهبية التي أتيحت لحركة حماس وحركة فتح وللكل الوطني أن يستثمرها في الإسراع في إنهاء الانقسام وتجسيد الوحدة الوطنية، وتقوية الجبهة الداخلية في مواجهة الاستعمار الصهيوني، وإجراءاته العنصرية التوسعية والهادفة إلى تطبيق سياسة التطهير العرقي في القدس وغيرها والسيطرة على المسجد الأقصى المبارك، مما ممكن العدو من مواصلة سياساته وإجراءاته التعسفية في القدس إزاء المسجد الأقصى وإزاء أحياء القدس المختلفة، وبلدة سلوان، وقد بقي الوضع في القدس مستمراً على ما هو عليه بل ازداد سوءاً، وبقي الكر والفر بين أهل القدس وقطعان الاستيطان، ومواجهة إجراءات الاقتلاع والتطهير العرقي والإخلاء ونسف البيوت، والتي عادت أشد ضراوة من ذي قبل، دون أن تعيد حماس معركة سيف القدس مرة أخرى كما وعدت ولوحت، تطبيقاً وتنفيذاً لما أعلنته عند القبول بوقف إطلاق النار مع العدو في الحادي عشر من أيار الماضي، (إن عدتم عدنا...) فقد عادوا ولكن حماس لم تعد..!
فقد عادت حماس للبحث عن سبل عودة المنحة القطرية، برضى وتعاون تام وكامل مع العدو المحتل، وعادت للبحث في استعادة منطقة الصيد وغيرها كما كانت قبل العدوان.. وعادت للحديث عن التفاهم لتهدئة دائمة أو طويلة الأمد، حتى يتمكن أهل غزة من تضميد الجراح وتنظيف الشوارع من آثار الدمار واستعادة بناء ما دمره العدوان..!
لقد تحول وهم الانتصار على العدو في معركة سيف القدس، إلى هزيمة فلسطينية داخلية، اوقفت الحوار الفلسطيني الداخلي، ونسفت سكة قطار المصالحة، وعمقت الهوة الداخلية والتي يعمل الاحتلال على تعميقها، وكرست بقاء واستمرار الانقسام على ما هو عليه وأكثر، الذي يعمل العدو على إدامته وتغذيته والمحافظة عليه، مع قوى إقليمية أخرى مستفيدة من بقائه. لينطبق المثل الفلسطيني على الحالة الفلسطينية كلها (اجت الحزينة تفرح فما لقيت لها مطرح) أو كما يقول المثل (فلا صيف صيفت ولا سترها بقي عليها)...!
فهل من متعظٍ من سياسات العبط والغباء السياسي العصبوي التنظيمي الذي لا يخدم إلا المتربص بالشعب الفلسطيني وقضيته...!
والعمل على الإقلاع من خنادق الحزبية والفصائلية المقيتة والضيقة، والانطلاق إلى رحاب العمل الوحدوي الوطني الواسع، الذي فيه يكمن تعزيز الصمود، وفيه يكمن سر التحدي والانتصار الحقيقي.
لا بد من حراك شعبي واسع يفرض خطوات الحوار ويفرض انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية في كل مستوياتها، للإقلاع من معسكر التفاضل إلى معسكر الوحدة والتكامل بين كل عناصر وأشكال النضال الوطني.
وللحديث بقية.