العقيد م. محمد بن فراج الشهري
هذه المرحلة من تاريخنا مرحلة دقيقة، ومهمة للغاية، تتزايد فيها وأمامها الأحداث من كل حدب وصوب نحو بلادنا، والتحديات التي تقف أمامنا في كل اتجاه، يبرز فيها غياب الصوت السعودي في وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بغير العربية, وهذا ما كان سبباً في تنامي الحرب الإعلامية ضد المملكة، وورود كثير من التقارير المضللة التي تحاول النيل من جهود المملكة, والتشكيك في سياستها ونهجها, والسؤال أين دور إعلامنا الخارجي؟! صحيح أن لدينا إعلاماً (داخلياً) لا بأس به ونحن لا نحتاج فرد العضلات بإعلامنا الناطق باللغة العربية، لكن نحتاج إلى إعلام خارجي يواكب الأحداث العالمية، ويرد على كل استهداف للدولة من الخارج, الإعلام الخارجي مغيّب وغير مفعّل، بحيث يمكن أن يحقق تنفيذ إستراتيجيتنا الخارجية, وعدم مجاراة ما يشاع في الخارج، فإن ذلك يسبب إجهاضاً لأي مجهودات تقوم بها الدولة خارجيا وداخليا ويسبب إخفاقات متتالية لما نود الوصول إليه على المستوى الخارجي وسنظل دائما نحصد الإخفاق، ونقبض الريح طالما أن إعلامنا الخارجي لا يملك النظرة التخطيطية الاستراتيجية قريبة وبعيدة المدى, في غياب الخط والنهج الإعلامي الواضح الذي يمكن أن تسير على هديه كافة مؤسساتنا الإعلامية ومؤسسات الدولة وتسترشد بمرئياته, وأهدافه ومراجعة، ونحن لا تنقصنا الخبرة والتسلح بأحدث التقنيات والوسائل والأجهزة ومواكبة الطفرة العالمية التي حدثت في هذا المجال, ولكن يعوزنا التصور والمعينات البشرية, والكوادر المهنية, القادرة على إطلاق إستراتيجية إعلامية خارجية فاعلة (نافذة) تستطيع أن تنفذ من خلال (نوافذ ) و(قنوات) إعلامية مؤثرة وفعالة تتوفر لها كافة المعينات التي تمكنها من قراءة ذهنية وعقلية الفئات البشرية المستهدفة (المستمع أو المشاهد الغربي) وإيصال الرسالة الإعلامية بكل (شفافية) ووضوح لا لبس معه ولا غموض, وأنا أعترف وأقر بأن الموضوع ليس سهلاً, لكن لنبدأ بداية عملية مخطط لها ومبرمج لها تسير وفق خطوات ثابتة راسخة, فنحن أمام آلة إعلامية (غربية) ضخمة شاملة متكاملة مدعومة ماديا وفنيا, وبشريا, وغيرها من الدعم المطلوب ذات تاريخ عريق وثوابت راسخة في (أساليب الدهاء والمكر) الإعلامي, ولهما باع طويل موغل في أساليب (التموية) و(التضليل ) الإعلامي وعمل الرتوش و(الفبركات) وغيرها من الأساليب التي (تسلب) عقل المشاهد أو المستمع, وهذا يجب أن لا يثنينا عن التخطيط لنفيذ خط إعلامي, واستراتيجية إعلامية (مضادة) تبدد سموم ما تنفثه أدوات الإعلام الغربي, وما تبثه من أكاذيب وافتراءات، لقد فطنوا إلى خطورة الإعلام منذ أمد بعيد واخترعوا من الوسائل ما يمكنهم من تحقيق مآربهم, والمصيبة أننا حتى الآن لم ندرك خطورة وأهمية (الحرب الإعلامية) بالشكل المطلوب فهي في خطورتها أشد وقعا من الأسلحة الذرية, وأسلحة الدمار الشامل, لأن القضية اليوم هي كيف تقنع عدوك بأن أفكارك (نيّرة) و(نواياك طيبة) و(سلعتك) جيدة و(قلبك أبيض) وإذا سلبت الناس عقولهم صاروا تحت (نيران مدافعك ) الإعلامية وغزوك الفكري لهم, فكثير من بلدان الغرب أسست لها (مستعمرات) إعلامية بفضل إستراتيجيات بعيدة المدى هدفت ورمت إلى (الاستلاب الفكري والعقيدي) وما أمر (السي إن إن CNN) إبان حرب الخليج ببعيد, إذ كان دور تلك (الفضائية) ليس بأقل من صواريخ (توماهوك) أو طائرات الشبح في إشعال (الحرب النفسية) وكسب جميع جولاتها, مؤسسة للاحتلال (العسكري) ومعززة لكسب الحرب (البرية) التي كانت تمهد لها قوات التحالف, وقد سقطت بغداد (نفسيا) وإعلاميا قبل أن تكون لقواتهم العسكرية موطئ قدم في الأراضي العراقية. والقصد من هذا كله أن ينهض إعلامنا الخارجي من سباته والانتباه إلى دور الإعلام الغربي الخطير الذي اعتلى أسوار بيوتنا، ودلف إليها من أوسع أبوابها كضيف ثقيل في ثوب الصديق, ولكن بنوايا الله أعلم بها, ويجب أن يجابه هذا الإعلام بنفس طريقته وأسلوبه وأدواته, وأن نقيم مؤسسات إعلامية خارجية هدفها الرد والتصدي لكل من يحاول النيل من بلدنا وسياسته وأموره الخارجية والداخلية, لأننا لازلنا ولا يزال إعلامنا الخارجي مقصراً وشبه خال أو مغيب عن الواقع، وهذا سيكلفنا الكثير مستقبلا إذا لم نتنبه لهذه الثغرة ونسدها بكل احترافية.
والله من وراء القصد.