«الجزيرة» - سالم اليامي:
استقبلت الأوساط الاقتصادية بشكل عام والأوساط النفطية بشكل خاص، إعلان منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في بيان إن كبار منتجي النفط في العالم اتفقوا على مواصلة زيادة الإنتاج تدريجياً اعتبارا من أغسطس، باطمئنان بالغ وارتياح كبير مرده النظرة المتفائلة إلى بقاء الأسواق النفطية مستقرة، حيث نص الاتفاق بحسب بيان المنظمة على قيام تحالف «أوبك+» المكون من 23 دولة برفع الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا كل شهر اعتبارا من أغسطس، للمساعدة في دفع التعافي الاقتصادي العالمي مع انحسار الوباء.وكان لدور المملكة الريادي في قيادة منظومة «أوبك +» الأثر الكبير في التوصل إلى هذا الاتفاق الذي جاء منسجما مع أهداف المنظمة الاستراتيجية، وقال بيان «أوبك +» إن المجموعة تهدف لإنهاء تخفيضات الإنتاج البالغة 5.8 مليون برميل يومياً بحلول سبتمبر 2022 إذا سمحت ظروف السوق. ويضيف تعديل مستوى الأساس لإنتاج أوبك النفطي يضيف 1.63 مليون برميل للإمدادات من مايو 2022.
وكانت المجموعة قد خططت الحد من تخفيض الإنتاج بضخ مليوني برميل إضافية يومياً من أغسطس بسبب صعود الأسعار لأعلى مستوى في عامين ونصف العام.
أمل في خفض الإنتاج التام بحلول سبتمبر 2022
وأكد صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة، في مؤتمر صحافي خلال ختام اجتماع تحالف «أوبك+»، العمل على إنهاء مستويات الخفض في إنتاج النفط المعمول بها عند 5.8 مليون برميل يومياً بنهاية شهر سبتمبر من عام 2022 إذا سمحت ظروف السوق النفطية. وأشار الأمير عبد العزيز بن سلمان إلى تلقيه خطاباً من نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، يؤكد فيه دعم روسيا قرار مجموعة «أوبك+» تمديد اتفاقية إنتاج النفط حتى نهاية 2022 بدلاً من أبريل المقبل. وأعرب الأمير عبد العزيز بن سلمان عن أمله في الانتهاء من خفض الإنتاج تماماً بحلول سبتمبر (أيلول) 2022 .كما أقرت المجموعة زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يومياً كل شهر اعتباراً من شهر أغسطس (آب) المقبل.
ووسط التئام لمنظومة «أوبك +» بعد أيام من خلاف حول سياسة الإنتاج، اتفق وزراء الدول الأعضاء علي زيادة إمدادات النفط من أغسطس آب المقبل، لتهدئة الأسعار التي صعدت لأعلى مستوى في عامين ونصف العام. مع تعافى الاقتصاد العالمي من جائحة فيروس كورونا.
كما اتفقت المجموعة التي تضم دول أوبك وحلفاء مثل روسيا، على حصص إنتاج جديدة من مايو بعدما وافقت المملكة ودول أخرى على طلب الإمارات بتعديل شهر الأساس. وأبدى وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي سعادته بالاتفاق في مؤتمر صحافي.
وقال المزروعي إن أبوظبي تدعم الاتفاق الذي توصلت إليه مجموعة «أوبك+». وذكرت «أوبك +» في بيان أنها سترفع الإنتاج بواقع مليوني برميل إضافية يومياً من أغسطس إلى ديسمبر 2021 أو 400 ألف برميل يومياً في الشهر. واتفقت المجموعة على تمديد الاتفاق حتى نهاية 2022 بدلاً من الموعد الحالي لنهايته في أبريل 2022 لإفساح المجال للمناورة في حالة تعثر التعافي العالمي بسبب سلالات جديدة للفيروس.
وكانت «أوبك+» قد اتفقت العام الماضي على تخفيضات قياسية للإنتاج بنحو عشرة ملايين برميل يومياً لمواجهة تراجع الطلب الناجم عن تفشي وباء فيروس كورونا، وهي قيود خففتها تدريجياً منذ ذلك الحين ليبلغ الخفض حالياً نحو 5.8 مليون برميل يومياً.
وكانت المملكة والإمارات من داعمي زيادة الإنتاج على الفور، لكن الإمارات عارضت مقترحا بتمديد اتفاق إدارة الإمدادات حتى ديسمبر 2022، وطالبت بحصة إنتاج أعلى.
ووافقت أوبك على حصص إنتاج جديدة لعدد من الأعضاء من بينهم الإمارات والمملكة وروسيا والكويت والعراق، من مايو 2022.
وسيرتفع مستوى الأساس، الذي تحسب على أساسه تخفيضات الإنتاج، بالنسبة للإمارات من مايو إلى 3.5 مليون برميل يومياً من 3.168 مليون برميل يومياً حالياً.
كما سيرتفع مستوى الأساس لكل من السعودية وروسيا إلى 11.5 مليون برميل يومياً من 11 مليون حالياً وللعراق والكويت بواقع 150 ألف برميل لكل منهما. وقال وزير الطاقة السعودي في هذا الصدد إنه سيجري أيضاً تعديل مستوى الأساس لكل من نيجيريا والجزائر.
من جانبه، أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، أن بلاده ستزيد إنتاجها النفطي في النصف الثاني من العام بفضل اتفاق جديد توصل إليه تحالف «أوبك+» لكبار منتجي النفط بشأن زيادة الإنتاج.
وقال نوفاك إن روسيا ستبدأ زيادة الإنتاج شهرياً بواقع 100 ألف برميل يومياً من أغسطس المقبل على أن تصل إلى مستوى ما قبل الأزمة في مايو 2022. وأضاف أن روسيا ستنتج نحو 21 مليون طن أخرى من النفط هذا العام والعام المقبل.
أثر إيجابي على استقرار الأسواق النفطية
وعلق وزير النفط الكويتي الدكتور محمد الفارس، على الاتفاق بقوله، إن اتفاق «أوبك+» سيكون له أثر إيجابي على استقرار الأسواق في 2021 و2022.
وأوضح الفارس أن هذا القرار يأخذ في اعتباره بعض المستجدات في الأسواق، ومنها المطالب بإدخال تعديلات على الأساس المرجعي لبعض الدول الأعضاء في «أوبك +» لاحتساب أي مستويات للتخفيضات في مستويات الإنتاج مستقبلاً حسب دواعي استقرار الأسواق ضمن اتفاق التمديد، والذي يبدأ العمل فيها من شهر مايو 2022، لافتا إلى أن هذا الاتفاق سيكون له آثاره الإيجابية في استقرار الأسواق خلال عامي 2021 و2022.
وأشاد بتحقق إنجاز لدولة الكويت من خلال رفع الأساس المرجعي لاحتساب مستويات الإنتاج المقررة مستقبلاً للكويت بمقدار 150 ألف برميل يومياً، وذلك ضمن اتفاق التمديد الذي يبدأ العمل به في شهر مايو 2022.
كما أثنى على جهود سمو وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، خاصة وجهود وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك من خلال مشاوراتهما المتواصلة والمكثفة بهدف جمع الشمل لدول «أوبك +»، والتأكيد على استمرار الانسجام والتناغم داخل التحالف، التي تكللت بالوصول إلى اتفاق بتوافق جماعي يستهدف استقرار الأسواق في العالم ويدعم جهود تعافي الاقتصاد العالمي.
وأفاد بأن ««أوبك بلس»» تتوخى الحذر فيما يتعلق باستراتيجية رفع الإنتاج وسط تحديات أسواق النفط التي ستتم مراجعتها بشكل دوري في إطار تحقيق الاستقرار للأسواق، علماً بأنه سيتم انعقاد الاجتماع القادم في بداية شهر سبتمبر 2021.
أما وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، فقال إن السوق النفطية شهدت تحسناً في الطلب وتراجعاً في الفائض والمخزون.
وقال عبد الجبار إن الاجتماع أكد على تعزيز التعاون الجماعي، والإشادة بامتثال الدول للاتفاق، والتطور الإيجابي في زيادة الطلب على الخام، فضلاً عن تراجع المخزونات والفائض النفطي وهذا مؤشر إيجابي مؤثر.
ونقل بيان صادر عن وزارة النفط عن عبد الجبار أن الالتزام الإجمالي باتفاق «أوبك بلس+»، بما يشمل المكسيك، بلغ 113 في المائة في يونيو. وقال الوزير إن هذا يؤكد حرص الجميع على تجاوز التحديات التي تواجه السوق النفطية بنجاح.
تراجع الأسعار ومواجهة تداعيات كورونا
إلى ذلك تراجعت أسعار النفط بنسبة 6%، غداة قرار كبار المنتجين زيادة الإنتاج، فيما سجّل تراجع في أسواق الأسهم، في ظل ما يمثله ازدياد الإصابات بـ»كوفيد 19» من تهديد للتعافي الاقتصادي، وفق المتعاملين.
وتراجع سعر عقد خام غرب تكساس الوسيط المرجعي بنسبة 6.1 في المائة ليبلغ 67.42 دولار للبرميل. بحسب ما تداولته الصحف العالمية، وخسر برنت بحر الشمال الأوروبي 5.4 في المائة، ليبلغ سعر البرميل 69.61 دولار.
ويأتي ذلك في ظل مخاوف الأسواق من احتمال أن يقوض تفشي كورونا المتحورة «دلتا» التعافي الاقتصادي.
وقال المحلل لدى مجموعة «أواندا» إدوارد مويا إن المستثمرين حول العالم يبيعون الأسهم والسلع الأساسية والعملات المشفرة بدلاً من شراء السندات التي كانت تعد رهاناً آمناً. وأفاد في مذكرة بأن تجنّب المخاطر قائم في وقت يدفع تفشي متحورة (كوفيد) دلتا البحث عن الأمان، فيما تزداد المخاوف الاقتصادية العالمية.
جهود المملكة في دعم تقليل الانبعاثات الكربونية
في جانب آخر تعد المخاطر البيئية والمناخية قضية دولية مشتركة تتجاوز الحدود الوطنية للدول، وأن التعامل معها يتطلب حلولاً شاملة تعالج تلك المخاطر بمنظور متكامل يتجاوز الحلول الجزئية. وهناك فرصة كبيرة جداً ومواتية لتسريع الجهود العالمية القائمة لإيجاد حلول عالمية مشتركة للحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة وحماية كوكب الأرض بفضل تنامي الوعي والإدراك العام لحقيقة المخاطر البيئية والمناخية، وما يترتب عليها من انعكاسات سلبية على المجتمعات الإنسانية.
وقد عززت المملكة، خلال فترة ترؤسها مجموعة العشرين العام الماضي، دورها الريادي تجاه القضايا الدولية المشتركة، والإسهام في حماية كوكب الأرض، ونتج عن ذلك إصدار إعلان خاص حول البيئة، وتبني مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتأسيس أول مجموعة عمل خاصة للبيئة فيها. كما خصصت مساراً خاصاً بالبيئة نتج عنه بيان وزاري تناول مجمل التحديات البيئية العالمية ومن ضمنها التغير المناخي.
وأثمرت جهود المملكة خلال قمة مجموعة العشرين بإطلاق مبادرتين دوليتين للحد من تدهور الأراضي، وحماية الشعب المرجانية، وسيكون لهاتين المبادرتين أثر كبير في تعزيز الجهود الدولية للحد من آثار التغير المناخي.
وأسهم التطور في مجال تنمية المحميات الطبيعية محليا في رفع نسبة تغطية المملكة من (4 في المئة) إلى ما يزيد على (14 في المئة)، وزيادة الغطاء النباتي في المملكة بنسبة (40 في المئة)، وذلك خلال الأربع سنوات الماضية فقط.
وقد أكدت منطلقات رؤية 2030 على مواجهة تلك التحديات والمخاطر من خلال رفع كفاءة إدارة المخلفات، والحد من التلوث بمختلف أنواعه، ومقاومة ظاهرة التصحر، والعمل على الاستثمار الأمثل للثروة المائية عبر الترشيد واستخدام المياه المعالجة والمتجددة، والتأسيس لمشروع متكامل لإعادة تدوير النفايات.
وسبق أن أعلن سمو ولي العهد مبادرة «السعودية الخضراء»، ومبادرة «الشرق الأوسط الأخضر»، اللتين سترسمان توجه المملكة والمنطقة في حماية الأرض والطبيعة ووضعها في خارطة طريق ذات معالم واضحة وطموحة، وستسهمان بشكل قوي بتحقيق المستهدفات العالمية، من خلال زراعة 50 مليارا في شجرة، في أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم.
وستعمل مبادرة «السعودية الخضراء» على تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من (4 في المئة) من الإسهامات العالمية، من خلال مشاريع في مجال التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستمحو أكثر من (130) مليون طن من الانبعاثات الكربونية.
وسيؤدي تنفيذ مبادرة «السعودية الخضراء» إلى رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30 في المئة من مساحة أراضي المملكة، ما يعادل (600) ألف كيلومتر مربع، لتتجاوز المستهدف العالمي الحالي بحماية 17 في المئة من أراضي كل دولة، إضافة إلى عدد من المبادرات لحماية البيئة البحرية والساحلية.