«الجزيرة» - الاقتصاد:
أصدر البنك المركزي السعودي التقرير السنوي السابع والخمسين الذي يستعرض أهم التطورات الاقتصادية والمالية في المملكة خلال عام 1441 / 1442هـ (2020م).
وشمل التقرير التطورات النقدية والمصرفية، وآخر تطورات القطاع الخارجي، والمالية العامة، والقطاعات الاقتصادية النفطية وغير النفطية، وتطورات أنشطة التأمين والتمويل، والسوق المالية، إضافة إلى البيانات التاريخية لمختلف الأنشطة والقطاعات الاقتصادية والمالية.
كما تناول التقرير الظروف الاستثنائية التي شهدها العالم خلال عام 2020م، والتحديات التي واجهها على جميع الأصعدة، حيث ألقت جائحة فيروس كورونا (كوفيد - 19) بظلالها على الاقتصاد العالمي. وكجزء من منظومة الاقتصاد العالمي، انكمش اقتصاد المملكة في عام 2020م بنسبة 4.1 في المئة.
ويعود ذلك بشكل رئيس إلى انكماش القطاع النفطي بنحو 6.7 في المئة نتيجة لخفض إنتاج المملكة من النفط وفق اتفاقية (أوبك +) لخفض الإنتاج بهدف تحقيق الاستقرار في السوق النفطية مع تراجع الطلب العالمي على منتجات الطاقة الناتج عن تداعيات الجائحة.
كذلك انكمش القطاع غير النفطي بنحو 2.3 في المئة بسبب تطبيق التدابير الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا، حيث تأثرت معظم الأنشطة الاقتصادية الرئيسة إثر ذلك بنسب متفاوتة.
وعلى الرغم من ذلك، أظهر الاقتصاد السعودي مرونةً في استيعاب هذه التداعيات بشكل ملحوظ، وتمكنت حكومة المملكة - أيدها الله - من تخفيف آثار الجائحة وتبعاتها بحكمة واقتدار، وكانت نموذجاً عالمياً في تضافر جهود مختلف الجهات الحكومية في مواجهة الجائحة.
وفي هذا الصدد، أكد معالي الدكتور فهد بن عبدالله المبارك محافظ البنك المركزي السعودي أنّ الاقتصاد السعودي شهد العديد من الإصلاحات التي أسهمت في تغيّر هيكل الاقتصاد، وجعله أكثر تنوعاً واستغلالاً للميزات النسبية التي تنعم بها المملكة؛ سواءٌ على صعيد الموارد الطبيعية أو الموقع الجغرافي أو القدرات البشرية أو البنية التحتية والتقنية.
وذكر معاليه أن هذه الإصلاحات، إضافة إلى الحزم التحفيزية والخطوات غير المسبوقة التي قامت بها حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين على الصعيدين الصحي والمالي؛ أسهمت في تخفيف أثر جائحة فيروس كورونا على الاقتصاد السعودي، بما في ذلك ما أسهمت به مبادرات البنك المركزي السعودي في الحد من آثار هذه الجائحة على القطاع الخاص بشكل عام، والمنشآت الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص.
وتوقع معالي الدكتور المبارك استمرار التعافي في النمو مع التوسع في إعطاء اللقاح ضد فيروس كوفيد - 19، إضافةً إلى تخفيف الإجراءات الاحترازية في المملكة وبقية دول العالم، مما سينعكس إيجابًا على الطلب العالمي على النفط وعلى حركة السفر والسياحة وغيرها من الأنشطة.
وتابع المبارك: شهد الاقتصاد السعودي تحسناً ملحوظاً بعد انحسار أزمة جائحة كورونا، خصوصًا بعد فتح الأنشطة الاقتصادية، مدعومًا بنمو القطاع غير النفطي عموماً، والقطاع الخاص على وجه الخصوص.
وتعكس نتائج الربع الأول من عام 2021م سرعة التعافي في الاقتصاد، حيث سجل الناتج غير النفطي الحقيقي نموًا نسبته 2.9 في المئة، وسجل القطاع الخاص نموًا نسبته 4.4 في المئة، وشهد الإنفاق الاستهلاكي النهائي الخاص ارتفاعًا بمعدل 1.3 في المئة. وتحسن معدل البطالة بين السعوديين، إذ بلغ 11.7 في المئة مقارنة بمعدل قدره 12.6 في المئة خلال الربع الرابع من عام 2020م. وفيما يخص المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي ما زالت متأثرة من الإجراءات الاحترازية المتخذة لمواجهة الجائحة، أكد معاليه أن البنك المركزي السعودي اتخذ عدداً من الإجراءات وأطلق مجموعة من البرامج لدعم هذه المنشآت العام الماضي وهذا العام لتعزيز النمو الاقتصادي.
وبالعودة إلى التقرير السنوي، فقد أشار إلى استمرار البنك المركزي السعودي في نهجه المتصل بإدارة السياسة النقدية لتحقيق استقرار أسعار الصرف، والحفاظ على سلامة النظام المالي، واستقراره لدعم النمو الاقتصادي.
فقد نما عرض النقود في عام 2020م بنسبة 8.3 في المئة ليبلغ نحو 2.149.3 مليار ريال.
وعلى الرغم من ظروف جائحة كورونا، إلا أن القطاع المصرفي السعودي ما زال يتمتع بالمتانة والاستقرار، ويأتي ذلك انعكاساً للإجراءات والتدابير التي عمل بها البنك المركزي السعودي والمصارف السعودية معاً، والتي كان لها دور كبير في تخفيف الآثار السلبية للجائحة على القطاع الخاص والقطاع المصرفي. حيث أظهرت المصارف التجارية أداءً جيدًا في عام 2020م، إذ ارتفع إجمالي موجوداتها بنحو 13.2 في المئة ليبلغ نحو 2.979.5 مليار ريال، إضافة إلى ارتفاع إجمالي الودائع المصرفية بنسبة 8.2 في المئة ليبلغ نحو 1.943 مليار ريال.
وأوضح التقرير جهود البنك المركزي السعودي في مجال الرقابة والإشراف من خلال الإشراف الفعال على القطاع المالي لتعزيز الثقة وضمان سلامته وتحقيق أعلى مستويات الكفاءة، حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال وفقاً لمعيار لجنة بازل للرقابة المصرفية في نهاية عام 2020م نحو 20.3 في المئة، كما بلغت نسبة تغطية السيولة نحو 200.58 في المئة، وبلغت نسبة صافي التمويل المستقر نحو 127.19 في المئة.
وتشير هذه المؤشرات إلى متانة النظام المصرفي السعودي، وتمتعه بمستويات سيولة مطمئنة، لدعم كل قطاعات الاقتصاد الوطني.
وسلط التقرير الضوء على جهود البنك المركزي في إدارة أصوله من النقد الأجنبي وفق أفضل المعايير والضوابط والممارسات الدولية لإدارة الأصول الأجنبية، حيث يتم الاستثمار من خلال محافظ استثمارية متينة ومتنوعة تدار بشكل فعّال؛ لتحقيق التوزيع الأمثل للأصول، والاستفادة من الفرص الاستثمارية.
ويحرص البنك المركزي في ذلك على تبني أفضل الممارسات والمعايير الدولية، وتطبيق أحدث الأنظمة في إدارة المخاطر وقياس الأداء الاستثماري. وفيما يخص المركز المالي، فقد بلغ إجمالي أصول البنك المركزي السعودي في عام 2020م نحو 1.8 تريليون ريال.
ومما تضمنه التقرير أيضاً، مساعي البنك المركزي في تحقيق المهام المنوطة به على نحوٍ ينسجم مع متطلبات الاقتصاد السعودي؛ لمواجهة التحديات العالمية، وتحقيق رؤية المملكة 2030، ومن ذلك: تعزيز الشمول المالي، وتطوير البيئة التمويلية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ودعم التمويل العقاري، وتطوير نظم المدفوعات ووسائل الدفع الحديثة، وتطوير قطاع التقنية المالية، ومواصلة تنظيم قطاع التأمين وتطويره، مع تطبيق الرقابة الفعالة بما يحافظ على استقرار القطاع المالي. كذلك تضمن التقرير جهود البنك المركزي بالشراكة مع وزارة المالية وهيئة السوق المالية في تنفيذ مبادرات برنامج تطوير القطاع المالي الذي يهدف إلى بناء قطاع مالي متطور وفاعل لدعم نمو الاقتصاد الوطني، وتحفيز الادخار والتمويل والاستثمار من خلال تطوير مؤسسات القطاع المالي وتعميقها. حيث أنجز البنك المركزي خلال عام واحد 12 مبادرة من أصل 16 مبادرة يملكها البنك المركزي من إجمالي عدد مبادرات برنامج تطويـر القطاع المالي البالغة 41 مبادرة.
تجدر الإشارة هنا إلى استمرار المؤشرات النقدية والمصرفية في تسجيل أداء جيد خلال العام الحالي (2021م) على الرغم مما يشهده العالم من تقلبات بسبب ظروف الجائحة، وظهور عدة سلالات متحورة من فيروس كورونا (كوفيد - 19)، إذ حقق عرض النقود خلال شهر مايو ارتفاعًا سنويًا نسبته 6.7 في المئة ليبلغ نحو 2.213.4 مليار ريال، ونمت أيضًا الودائع المصرفية بمعدل 7.5 في المئة لتبلغ نحو 2.001.2 مليار ريال. وارتفع الائتمان المصرفي الممنوح للقطاع الخاص بنسبة 16.0 في المئة ليبلغ نحو 1.840.8 مليار ريال.
وكان مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية -حفظه الله -، قد وافق مطلع العام الجاري على اعتماد استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة للأعوام الخمسة القادمة. وقال سمو ولي العهد:» تأتي الاستراتيجية الجديدة لتمثل مرتكزاً رئيسياً في تحقيق طموحات وطننا الغالي نحو النمو الاقتصادي، ورفع جودة الحياة، وتحقيق مفهوم التنمية الشاملة والمستدامة في مختلف القطاعات التقليدية والحديثة، حيث سيعمل الصندوق خلال السنوات القادمة على مستهدفات عديدة من أهمها؛ ضخ 150 مليار ريال سنوياً على الأقل في الاقتصاد المحلي على نحو متزايد حتى عام 2025، والمساهمة من خلال شركاته التابعة له في الناتـج المحلي الإجمالي غير النفطي بقيمة 1.2 تريليون ريال سعودي بشكل تراكمي. كما ويستهدف الصندوق بنهاية 2025 بأن يتجاوز حجـم الأصول 4 تريليونات ريال، واستحداث 1.8 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر. ولقد استطاع صندوق الاستثمارات العامة تحقيق إنجازات استثمارية واقتصادية ضخمة، تمكن من خلالها للوصول إلى مستهدفات استراتيجية مهمة، ووضعه في مكانة بارزة على خارطة العالم بوصفه صندوقاً سيادياً رائداً وقادراً على استثمار وإدارة رؤوس أموال كبيرة في أسواق متعددة. وأضاف سموه: في صندوق الاستثمارات العامة لا نستثمر في الأعمال والقطاعات وحسب، بل نستثمر في مستقبل المملكة والعالم، وغايتنا أن يكون وطننا الرائد للحضارة الإنسانية الجديدة، وتهدف استراتيجية الصندوق إلى تحقيق مستهدفات الرؤية عبر تعظيم أصول الصندوق، وإطلاق قطاعات جديدة، وبناء شراكات اقتصادية استراتيجية، وتوطين التقنيات والمعرفة، مما يسهم في دعم جهود التنمية والتنويع الاقتصادي بالمملكة وأن يُرسخ مكانته ليكون الشريك الاستثماري المفضل عالمياً.
فيما قال محافظ صندوق الاستثمارات العامة الأستاذ ياسر بن عثمان الرميان بالقول:»لقد كان لرؤية 2030 الطموحة بالغ الأثر في تعزيز دور صندوق الاستثمارات العامة مع إعادة تشكيل مجلس إدارة الصندوق برئاسة سمو ولي العهد، وإعادة صياغة استراتيجيته بالكامل، الأمر الذي مكننا من تحقيق مستهدفات استراتيجية على مدى السنوات الأربع الماضية بكفاءة عالية، وتحقيق أثر إيجابي على الاقتصاد المحلي وتعظيم العائدات المستدامة. فقد ضاعف الصندوق حجم أصوله إلى نحو 1.5 تريليون ريال بنهاية 2020، وساهم في تفعيل 10 قطاعات جديدة، وساهمت في استحداث 331 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة حتى نهاية الربع الثالث لعام 2020».وأضاف: ستمكننا استراتيجية الصندوق 2021-2025 من مواصلة تحفيز نمو الاقتصاد السعودي وتنويعه من خلال عدد من المستهدفات، ومن ضمنها تمكين القطاع الخاص في المملكة ودعم مسيرة التنمية، بما يعزز الاقتصاد السعودي ويضمن مستقبلاً مزدهراً لوطننا الغالي». ووفق برنامج صندوق الاستثمارات العامة 2021-2025، سيعمل الصندوق على ضخ استثمارات محلية في مشاريع جديدة من خلال التركيز على 13 قطاعاً حيوياً واستراتيجياً، مما يسهم في رفع مستوى المحتوى المحلي إلى 60% في الصندوق والشركات التابعة له ويعزز جهود تنويع مصادر الإيرادات، والاستفادة من إمكانات الموارد، وتحسين جودة الحياة فضلاً عن تمكين القطاع الخاص المحلي، واستحداث الوظائف. وكمحرك أساسي في تعزيز نمو الاقتصاد السعودي وتنويع مصادر الدخل، تستمر جهود الصندوق في إطلاق قطاعات جديدة، وتوطين التقنيات والمعارف المتقدمة، وبناء الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية، وذلك سعياً لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 لتنويع اقتصاد المملكة وتعميق أثر ودور المملكة في المشهد الإقليمي والعالمي. وبخطى ثابتة يعمل الصندوق ليكون أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، حيث يستهدف أن تتجاوز أصوله 7.5 تريليون ريال سعودي في عام 2030.