د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
نجح الملك عبد العزيز- رحمه الله- في انتزاع السيطرة على الأحساء من الدولة العثمانية عام 1913، لتكون للدولة السعودية إطلالة على الخليج العربي، ضد الرغبة البريطانية التي تود أن تكون لها سيطرة كاملة على مشيخات دول الخليج من الكويت حتى سلطنة عمان، حتى أن بيرس كوكس المسؤول عن منطقة الخليج استغرب من جرأة الملك عبد العزيز- رحمه الله- من القيام بهذا العمل الخطير، لكن اعترفت بريطانيا بهذا الواقع، مقابل عدم إقامة الدولة السعودية الثالثة الفتية علاقات مع تركيا، ووقف الملك عبد العزيز على الحياد بين الطرفين.
منذ أن استقلت مشيخات الخليج، أصبحت هناك مسؤولية مضاعفة على السعودية في حماية هذه المشيخات لكن إيران هيمنت على الجزر الإماراتية قبل استقلال دولة الإمارات بالتوافق مع بريطانيا، وعندما احتل صدام حسين الكويت ضحت السعودية بالغالي والنفيس من أجل تحرير الكويت، وكذلك وقفت السعودية في عام 2011 أمام محاولة انتزاع إيران البحرين، ووقفت السعودية أمام الولايات المتحدة أمام هذه الحماية، وأدارت الأزمة بكل اقتدار وحكمة، وبسبب هذه المسؤولية نجد أن السعودية تنفق على السلاح أكثر من 69 مليار دولار في 2019، وهي أكبر قوة عسكرية عربية تليها دولة مصر التي لا تنفق أكثر من 10 مليارات دولار.
أقف كثيرا عند رفض الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي في رده على سؤال متضمنا تشكيكا الذي يقول: إن خطوط الأساس كانت قضية خلافية، ولم تكونوا تريدون أن تفتحوا على أنفسكم بابا لا قبل لكم به؟ أتى الرد عليه قاصفا من قبل وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان ردا على هذا التشكيك عندما قال الأمير عبد العزيز كنتم تفترضون وبكل غطرسة أنه ليس لدينا الموهبة الفنية والذكاء والدبلوماسية، وكنتم في غفلة عما يربطنا ببعضنا، ولم يرد على السؤال، بل قال هذا فن أحتفظ به لنفسي، ونحتفظ به جميعا لأنفسنا، وقال لهم المشكلة أنكم في مجموعة استخبارات الطاقة، تفترضون بكل غطرسة، أنه ليس لدينا الموهبة الفنية والذكاء والدبلوماسية، وكنتم في غفلة كبيرة، وما يربطنا ببعضنا أكبر بكثير عما نشرتم أنتم وغيركم للأسف.
إذا التربص بدول مجلس التعاون من كل حدب وصوب، وهم لا يستوعبون أن دول مجلس التعاون الخليجي تربطها علاقات استراتيجية ومحددات جغرافية وطبيعية وهي أمام فرصة في استخدام المشتركات لتعزيز العلاقة الاستراتيجية، خصوصا وأن السعودية فضاء استراتيجي، وهي بحاجة إلى ضخ الأكسجين في أوعية الاقتصاد الخليجي في كافة دوله.
ولا يعقل أن يستمر الاقتصاد السعودي البالغ عام 2019 نحو 793، بينما اقتصاد دولة صغيرة مثل هولندا يبلغ نحو 900 مليار دولار، واقتصاد دول مجلس التعاون الخليج يبلغ 1640 مليار دولار في 2019، وهو أقل من اقتصاد بريطاينا، ونصف اقتصاد ألمانيا، ويوازي اقتصاد كوريا الجنوبية، فيما أن دول المجلس تمتلك نحو 500 مليار متر مكعب من النفط، وقطر ثالث احتياطي غازي في العالم، فتود دول المجلس أن تصبح التكتل العاشر عالميا من التكتل الـ13.
ولا يعقل أن يستمر الاقتصاد الخليجي متركزا في اقتصادين فقط هما السعودية ودولة الإمارات بنحو 74 في المائة، ونحو 80 في المائة من التبادل التجاري الخليجي، وكما أرادت السعودية تنويع مصادر دخلها وإصلاح التشوهات الاقتصادية وفق رؤية المملكة 2030 بعيدا عن الاعتماد المفرط على إيرادات دخل البترول والدولة الريعية، كذلك اتجهت السعودية نحو تنويع مصادر دخل دول مجلس التعاون الخليجي لتنشيط اقتصاد كافة دول المجلس، وبشكل خاص دولتي الكويت وسلطنة عمان.
أصبحت السعودية تنظر إلى دول المجلس بنظرة أوسع، وهي نظرة جيواستراتيجية وجيوسياسية اقتصادية، من أجل استنهاض كافة اقتصاديات دول المجلس الخليجي.
كانت قمة العلا في يناير 2021، كانت قمتان، قمة مصالحة مع دولة قطر، وقمة خليجية تم التركيز فيها على تحفيز الأسواق الخليجية، وزيادة فرص الاستثمار من أجل زيادة التجارة البينية في السلع وطنية المنشأ من أجل تحفيز الصناعة التحويلية المحلية، وزيادة التكامل الإنتاجي والصناعي الخليجي، ولا يمكن أن يستمر استيراد السعودية سلعا خليجية ربع الواردات فيها وطنية المنشأ فقط، بينما بقية الواردات غير وطنية، وهي حريصة على تحفيز الصناعات وطنية المنشأ.
ما يجعل دول المجلس تتجه نحو ترسيخ للنهج الاستراتجي الذي تبناه قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية على المدى الطويل والمتمثلة في توفير مناخ سياسي واقتصادي مناسب يجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية المباشرة وغير المباشرة من أجل تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وعندما تتجه السعودية نحو انتشال الاقتصاد العماني يصور من أن السعودية تستهدف أطرافاً أخرى لكنهم لا يستوعبون أن هذا الاستنهاض يصب في صالح نهضة تنموية شاملة لكل دول مجلس التعاون الخليجي من أجل التحول إلى مصاف الدول المتقدمة.
** **
- أستاذ بجامعة أم القرى بمكة
Dr_mahboob1@hotmail.com