خالد بن حمد المالك
عندما كان الرئيس اللبناني ميشيل عون قائدًا للجيش خلال الحرب الأهلية، شكَّل حكومة عسكرية موازية للحكومة المدنية، في خروج على الدستور، وعلى القواعد المتَّبعة، ولم يكن هذا التصرف غريبًا لمن يعرف اندفاع عون وتهوره، فقد كان لاعبًا خطيرًا في تلك الحرب، ومؤججًا لها في تلك الفترة، غير أنه أخطأ في حساباته عندما تعامل مع سوريا على أنها قوة احتلال، ما دعا بالقوة السورية التي كانت تسيطر على مفاصل الدولة اللبنانية إلى مطاردته للقبض عليه لولا أنه لجأ إلى السفارة الفرنسية لحمايته.
* *
هنا انتهى دوره، وخرج مهزومًا في تلك الحرب، ولم يبقَ له من أمل آنذاك إلا الخروج بحياته سالمًا من السفارة الفرنسية بعد حمايته، طريدًا إلى فرنسا، وهو ما وافقت عليه سوريا بشروطها المذلة وضمنها أن يمكث هناك عشر سنوات دون أن يعود إلى لبنان، وألا يتحدث لوسائل الإعلام وتم هذا بضمانة فرنسية، وهو ما حدث وتم الالتزام به إلى حين عودته إلى لبنان بعد أن قضى فترة التهجير القسري خارج بلاده، دون أن تكون هذه رغبته، لكنه -كما يقال- كان أمام الجزاء من جنس العمل.
* *
عاد عون إلى لبنان، منقلبًا على عداوته لسوريا، ليصبح حليفها وصديقها ومنفذ رغباتها، وكأنه قد غُسل دماغه خلال فترة الغياب عن لبنان، وكأنه قد استوعب الدرس جيدًا ولا يريد أن يكرره، وكأنه قد اقتنع بأن تحقيق طموحاته ومستقبله مرهون بوضع يده في تحالفات جديدة مع إيران وحزب الله وسوريا بطبيعة الحال.
* *
هذه التحالفات هي التي أوصلته إلى كرسي الرئاسة في خريف عمره، وأبقته ولو شكليًا صاحب قرار فيما آلت إليه الأوضاع من سوء في لبنان، وهذه التحالفات هي ما ساعدته وسهلت الطريق أمامه لتشكيل تنظيم باسم التيار الوطني الحر، وأن يكون له محطة تلفزيونية تتحدث باسمه، وأفكاره، وتوجهاته، ضمن تخطيط مدروس لا يُستبعد أن تكون لإسرائيل يد فيه.
* *
ما يهمني قوله إن عون عندما انتقل إلى قصر بعبدا رئيسًا للبنان، ويفترض أنه رئيس لكل اللبنانيين، لم تختلف مواقفه عمَّا كان عليه أثناء رئاسته للتيار الوطني الحر - كحزب - وبعد أن أصبح في قصر بعيدا - كرئيس - إذ ما زال يتعامل مع لبنان واللبنانيين كما كان يفعل خلال الحرب الأهلية بعنصريته وأنانيته ومواقفه غير المقبولة إلا من الدائرة الصغيرة الضيقة حوله، وعلى رأسها صهره جبران باسيل.
* *
الآن لا يبدو أن الرئيس عون وهو في هذا العمر المتقدم يدير شؤون الرئاسة بعقلية الرئيس، ولا يمارس دوره بوصفه يتولى الرئاسة الأولى في لبنان، فقد كشف عن نواياه من خلال موقفه من تشكيل الحكومة على مدى تسعة أشهر مضت، ولا يُعرف كم يحتاج من الوقت ليقبل بما اقترحه رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد السجال بينهما باتهامات صدرت بشكل غير مسبوق، ما يؤكد أن الأفكار والأسلوب ونبرة التحدي التي وردت في بيان قصر بعبدا أخيراً هي من مواصفات تعامل وأقوال جبران باسيل، يؤكد ذلك ما يتداوله اللبنانيون بأن من يدير الرئاسة من خلف الستار هو باسيل لا عون.
* *
لبنان أمام مفترق طرق بعد اعتذار الحريري عن تكليفه بتشكيل الحكومة، وبعد أن بدأ السجال بين عون وبعض الفرقاء حول موعد المشاورات الملزمة لتكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة في بلد منهار، وأنه يتجه نحو الجحيم بحسب وصف عون نفسه.