د. تنيضب الفايدي
أجياد: حي من أحياء مكة معروف لأهل مكة المكرمة، بل ولمن حجّ واعتمر ومكث بها، يقع في الجهة الجنوبية والجنوبية الشرقية للمسجد الحرام، تحصره مجموعة من الجبال، منها جبل أبي قبيس وجبل خليفة أو جبل أجياد، وقد سمي هذا الحيّ بأجياد قديماً قيل: لأن في ذلك الموضع سخر الله سبحانه تعالى جياد الخيل لإسماعيل عليه السلام، ورويَ أن العرب تجمع الجواد من الخيل على أجياد، فقد جاء أن المحل إنما سمي بأجياد لأن مضاض بن عمرو الجرهمي ضرب فيه أجياد مائة رجل من العمالقة. وقيل: إنما نسبت إلى أجياد الظباء، أي: أعناقها، والتي يضرب بها المثل في الحسن والجمال وفتنة التلفت، وقد كانت الظباء منتشرة ترعى في هذا الموضع، فلما اتصل بها العمران هجرته. وكان أجياد يطلق على شعبين كبيرين من شعاب مكة، يأتي أحدهما من الجنوب، والآخر يأتي من الشرق من جبل الأعراف، ثم يجتمعان أمام المسجد الحرام من الجنوب فيدفعان في وادي إبراهيم، وقد أصبحا اليوم مأهولين بأحياء عديدة من أحياء مكة، أشهرها: بير بليلة، والمصافي، وأزيلت بعض مباني حي أجياد لتوسعة المسجد الحرام. وقد ورد أجياد في الأدب كثيراً، يقول الحموي: «ذكره في الشعر كثير». قال الأعشى ميمون بن قيس وهو يذكر حي أجياد:
فما أنت من أهل الحُجُون ولا الصفا
ولا لك حق الشرب من ماء زمزم
وما جعل الرحمنُ بيتَك في العُلا
بأجيادِ غربيّ الصفا والمحرَّم
وقال عمر بن أبي ربيعة:
هيهات من أمة الوهاب منزلنا
لما نزلنا بسيف البحر من عدن
وحلّ أهلُك أجياداً فليس لنا
إلا التَّذكُّر، أو حظّ من الحزن
وقد تكرر ذكر أجياد كثيراً في كتب المتقدمين وأشعارهم، قال بشر بن أبي حازم:
حلفت برب الداميات نحورها
وما ضمّ أجياد المصلّى ومذهبُ
لئن شبت الحربُ العوانُ التي أرى
وقد طال إبعاد بها وترهبُ
لتحتملنْ بالليل منكم ظعينةٌ
إلى غير موثوق من العز تهربُ
وقال أبوبكر العبدي العدني:
يا محيا نُور الصّباحِ البادي
ونسيمَ الرياحِ غِبّ الغوادي
حي أحبابنا بمكة ما بين
الصَّفا وبين جيادِ
أما تسميته بهذا الاسم فيقول الحموي: قيل: سُمي بذلك؛ لأن تبعاً لما قدم مكة ربط خيله فيه، فسمي بذلك، وهما أجيادان: أجياد الكبير وأجياد الصغير. وقال أبوالقاسم الخوارزمي: أجياد موضع بمكة يلي الصفا. وقرأت فيما أملاه أبوالحسين بن فارس، على بديع بن عبدالله الهمذاني بإسناد له: إن الخيل العتاق كانت محرمة كسائر الوحش، لا يطمع في ركوبها طامع، ولا يخطر ارتباطها للناس على بال، ولم تكن تُرى إلا في أرض العرب، وكانت مكرمة ادخرها الله لنبيه وابن خليله إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، وكان إسماعيل أول من ذُلّلت له الخيل العتاق، وأول من ركبها وارتبطها، فذكر أهل العلم أن الله عزّ وجل أوحى إلى إسماعيل عليه السلام: إني ادخرت لك كنزاً لم أعطِه أحداً قبلك، فاخرج فنادِ بالكنز، فأتى أجياداً، فألهمه الله تعالى الدعاء بالخيل، فلم يبق في بلاد الله فرس إلا أتاه، فارتبطها بأجياد، فبذلك سمي المكان أجياداً، ويؤيد هذا ما قاله الأصمعي، في تفسير قول بشر بن أبي حازم:
حلفتُ بربّ الداميات نحُورها
وما ضمَّ أجيادُ المصلّى ومذهبُ
لئن شبّت الحرب العوان التي أرى
وقد طال إبعادٌ بها وترهبُ
لتحتملنْ بالليل منكم ظعينه
إلى غير موثوق من العزّ تهرب
ومن المعالم الأثرية التي احتضنتها منطقة أجياد والتي ورد ذكرها في ثنايا المصادر القديمة، مسجد منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له المتكأ أو المتكى، قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم نزله واتكأ عليه.
ومن المعالم التي اشتهرت بها منطقة أجياد (قلعة أجياد) التي أنشأها الشريف مساعد بن سرور سنة 1196هـ/ 1781م في أعلى جبل خليفة أو جبل أجياد، المشرف على أجياد الكبير، وهو الجبل الذي صعد إليه المشركون يوم فتح مكة ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقد هدمت قلعة أجياد وتم بناء برج ساعة مكة الملكي في مكانها. وهو وقف للملك عبدالعزيز آل سعود على المسجد الحرام. ومع المشاريع الكبيرة التي قامت بها الدولة لراحة الحجاج والمعتمرين فقد غيرت كثيراً من معالم هذا الحي ودخلت في ساحات الحرم المكي الشريف.
وكلما تذكّر الكاتب أجياد يتذكّر أنّ بالقرب منه موقعاً قريباً إلى النفس، حبيباً إلى القلب، ذلك هو مكانُ ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكم عشقتُ مكة وكتبتُ عنها وعن مواقع متعددة، لها علاقة بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلّما كتبتُ عن هذه الحبيبة ازددتُ هياماً بها:
فغَرَامِي القَدِيْمُ فِيكُمْ غَرَامِي
وَوِدَادِي كما عَهِدْتُمْ وِدَادِي
قَدْ سَكَنْتُمْ مِنَ الفُؤَادِ سُوَيْدَا
هُ وَمِنْ مُقْلَتِي سَواءَ السَّوادِ
يا سَمِيرِيَ رَوِّحْ بمكّةَ رُوْحِي
شَادِياً إِنْ رَغِبْتَ في إِسْعَادِي