عبدالرحمن الحبيب
لو أنك في طابور استعلامات مطار وأمامك شخص يسأل عن موضوع يطول بينما لديك سؤال إجابته في لحظة واحدة، هل تقاطعهما أم تنتظر ربع ساعة مثلاً؟ ثمة ثقافات تعد المقاطعة اللحظية مسألة عادية وعملية، بينما في ثقافات تعد قلة أدب. إذا استضفت أجنبياً على قهوة للمرة الثانية واعتذر عن قبولها، قد تلح عليه.. في ثقافات يعد ذلك مجاملة لطيفة لكن في أخرى يعد إزعاجاً غير مفهوم. إذا اشتركت في اجتماع افتراضي دولي وقدمت عرضاً تصويرياً ستجد أن زميلك من قارة بعيدة عبر عن السلبيات في عملك بشكل مباشر، لكن الآخر من ثقافة أخرى عبر عنها بعد مقدمة تحفيزية بينما ثالث لم يعبر عن السلبيات إلا بطريقة مستترة لم تفهمها.. ففي ثقافات كـ(اليابانية) لا يستخدمون النقد مباشرة بل من خلال الاستعارات على عكس مثلاً ما تجده عند الألمان والهولنديين..
أدت العولمة بما فيها الشركات متعددة الجنسيات إلى ارتباط سكان العالم بطريقة لم يسبق لها مثيل؛ كما أصبح ملايين الأفراد من مختلف الثقافات يلتقون يومياً عبر الإنترنت سواء من خلال الاجتماعات الافتراضية أو من خلال الدردشات. نجاح هذه اللقاءات يتأثر كثيراً بإدراك المفاهيم أو «الشفرات الثقافية» التي تطلق منها كلمات وعبارات الأفراد من الثقافات المختلفة. هذه الاختلافات قد يتولد عنها نتائج غير متوقعة بعضها طريف وبعضها كارثي يؤدي إلى فقد الانسجام في اللقاءات ويفسد النتائج المرجوة منها.. حتى لو كانت اللغة الإنجليزية هي المهيمنة كلغة عالمية فمن السهل الوقوع في فخاخ الاختلافات الثقافية وعدم فهم التضاريس الدقيقة والماكرة التي قد يقع بها الناس من خلفيات ثقافية متنوعة.
تقول الخبيرة إيرين ماير (كلية إدارة الأعمال للعالم، باريس): «تؤثر الأنماط الثقافية للسلوك والمعتقد في كثير من الأحيان على تصوراتنا وإدراكنا وأفعالنا». وتطرح الأسئلة: لماذا يواجه زميلك السويدي الكثير من المشاكل في قيادة فريقه الصيني؟ كيف تقيم علاقة جيدة مع مورديك البرازيليين أثناء جلوسك على مكتبك في أوروبا؟ كيف تتنقل في المهمة الصعبة المتمثلة في مراجعات الأداء عندما يسبق موظفيك الأمريكان ردود الفعل السلبية بتعليقات لطيفة، بينما الفرنسيون والهولنديون والألمان يتخطون الإيجابيات ويصلون مباشرة إلى صلب الموضوع؟ ما أفضل طريقة لجعل فريقك المتوزع على أربع قارات يعمل معًا بفعالية؟
إيرين ماير مؤلفة كتاب بعنوان: خريطة الثقافة «The Culture Map» وعنوان فرعي: فك شفرات كيف الناس يفكرون ويقودون وينجزون المهام عبر الثقافات. هذا الكتاب حسبما تقول المؤلفة يشكل «اختراق الحدود غير المرئية للأعمال التجارية العالمية..» وسيكون «دليلك خلال التضاريس الثقافية الوعرة الذي يوفر لك طريقة جديدة للمضي قدمًا، مع رؤى حيوية للعمل بفعالية وحساسية مع نظرائك في السوق العالمية الجديدة». في خريطة الثقافة تطرح المؤلفة ثمانية أبعاد تساعدك على تحسين فعاليتك من خلال تحليل موقع ثقافة ما بالنسبة إلى أخرى. تمكنك هذه الأبعاد من فك رموز الثقافة لتساعد على تعاونك الدولي سواء كنت بحاجة إلى تحفيز الموظفين، أو إسعاد العملاء، أو مجرد تنظيم مكالمة جماعية بين أعضاء فريق متعدد الثقافات..
تؤكد المؤلفة أن معظم المديرين ليس لديهم فهم لكيفية تأثير الثقافة المحلية في التفاعل العالمي.. فقد تجد في السلوكيات أن الأمريكيين اللاتينيين والآسيويين يفضلون التراتبية الهرمية بين الموظفين ومديرهم بينما على عكسهم تجد الإسكندنافيين يعتقدون أن أفضل رئيس هو مجرد واحد من الجمهور. قد يجد مدير برازيلي صعوبة في فهم كيفية قيام مورديه الصينيين بإنجاز الأمور، أو عندما يحاول قائد فريق أمريكي الحصول على مساعدة من داخل الفريق الذي بين أعضائه الروسي والهندي..
الكتاب مليء بقصص وحكايات جذابة من الحياة الواقعية عبر أنحاء العالم تنقل دروسًا مهمة عن العمل الجماعي العالمي والتعاون الدولي، ومنها هذه الأمثلة: لا تدرك سابين الفرنسية أن وظيفتها معرضة للخطر بعد مراجعة أدائها، حيث يقوم رئيسها الأمريكي بصياغة الرسالة بإيجابية نادرًا ما تستخدم في فرنسا.. أولريش الدنماركي ينظر إليه موظفوه الروس على أنه ضعيف وغير كفء لأنه يستخدم تقنيات القيادة المتساوية التي تحظى بشعبية كبيرة في وطنه الدنمارك على عكس التراتبية الهرمية.. المسكينة سارة تبعث رسائل بريد إلكتروني إلى العديد من مهندسي تكنولوجيا المعلومات الهنود لتكتشف لاحقًا أنها بهذه الطريقة أساءت إلى رئيسهم وعزلته عن مجموعة التواصل من خلال عدم التواصل معه.. تاكاكي الياباني يشرح دون جدوى لزملائه متعددي الجنسيات أهمية «قراءة الهواء» قاصداً بذلك القراءة بين السطور لالتقاط النص الفرعي غير المعلن للمحادثة في التواصل الياباني..
من خلال خبرتها المميزة، تقدم إيرين نماذج تطبيقية لفك شفرات الاختلافات الثقافية وكيف تؤثر في الأعمال التجارية الدولية. إنها تجمع بين إطار عمل تحليلي بارع مع نصائح عملية وقابلة للتنفيذ لتحقيق النجاح في تضاريس مناخ عولمي. ورغم ذلك إلا أن أيرين تستند على خبرتها والقصص الشخصية دون سند من دراسات علمية أو أبحاث أو إحصاءات أو الاستشهاد بالخبراء والمختصين. لذا يصعب اعتبار الكتاب مرجعاً موثوقاً في تخصصه بقدر ما هو ممتع ومثير للاهتمام كمقدمة لمن يرغب الدخول في هذا المجال..