عبدالله الرفيدي
أكثر من 25 عاماً أمضيتها في الصحافة الاقتصادية، قابلت خلالها عددًا من وزراء البترول، وتابعت ما يحدث من اجتماعات لمنظمة الأوبك أو مع المنتجين خارج المنظمة، أو ما يتم من نقاش مع الدول المستهلكة، وكيف تظهر التحديات التي تواجه سوق البترول وتعامل المملكة معها.
وقد كان من أصعب مراحل السوق ما حدث من هبوط قوي للأسعار في السنوات الماضية والخلاف بين المنتجين وتأثير جائحة كرونا على الطلب العالمي.
هذه الظروف الاستثنائية كانت الأشد وقعاً على إدارة السوق، لدرجة أن النفط في السوق الأمريكي كان يباع بسعر سالب، مع تحدي مواجهة الجائحة وانكماش الاقتصاد المحلي والعالمي.
وفي خضم هذه الأحداث تظهر قيادة المملكة للعالم، وكيف قادت توجيهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مارثون المباحثات لإنقاذ السوق والدخول في حلول صعبة والسعي لإقناع كافة المنتجين الكبار في العالم بضرورة قبول حلول المملكة، حيث رأينا كيف أدار هذا الملف ببراعة الأمير الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة.
لقد كان سموه عرَّاب السوق البترولية بقدرة فائقة، واستطاع أن يقنع المنتج الكبير خارج أوبك المتمثل في روسيا لينضم إلى التعاون مع أوبك. ولم يحدث سابقاً أن التزمت الدول المنتجة بدقة عالية مثل ما حدث اليوم.
وبالتأكيد لم يأت ذلك بسهولة، بل احتاج إلى قيادة حاذقة وحكيمة وبارعة قادرة على إقناع الجميع بالحل التوافقي الأمثل، ويتولد لديهم قناعة تامة وصدق في الاستجابة. هذا هو الأمير عبدالعزيز، عرَّاب سوق البترول الذي نجح بكل جدارة في جمع الدول المنتجة على كلمة واحدة، واستطاع أن يثبت لهم صحة توجهات المملكة، حتى وصل الأمر أن روسيا تؤكد له أمام الجميع ثقتها في قرارات المملكة، وأنها ستقبل أي قرار تتخذه، بعد أن كانت روسيا ترفض لسنوات طويلة التعاون مع أوبك. استطاع سمو الأمير عبدالعزيز أن يكسب احترام وتقدير وثقة العالم وخاصة الدول المنتجة للنفط، وذلك نابع من الصدق والحرص على مصالح الجميع، وليس فقط مصالح دولته، لأنه يعرف أن الجميع في مركب واحد، وأن مسؤولية قيادة المملكة الحكيمة النظر من زوايا مختلفة.
وهناك علاقة أخرى نسجها سموه وهي العلاقة مع الدول المستهلكة والتي يكون الخلاف معها أمراً له أهميته أيضاً وتأثيره على أسعار النفط. واستطاع أن يجمعهم في حوارات عديدة ولقاءات مختلفة مع المنتجين للبترول لتقريب وجهات النظر، ومواجهة الحملات التي تظهر بين الفينة والأخرى ضد هذه السلعة المهمة وأنه مؤثر سلبي على المناخ والبيئة.
اليوم، تجاوز سموه كونه عرابًا لسوق البترول العالمية، إلى اعتباره عرابًا لقطاع الطاقة الذي يعد أشمل وأعمق، حيث يثبت من خلال تبني مفاهيم جديدة في الطاقة مثل الاقتصاد الدائري للكريون، أن المملكة ملتزمة بمعالجة الانبعاثات، وأنها الأحرص في هذا المجال من خلال برامج واقعية وليس فقط في شعارات، وأنها تعالج هذا الملف لمصلحة سكان الكوكب أجمع، بعيدًا عن الأجندات الخفية التي تروجها بعض المنطمات، ومن يسمون أنفسهم ناشطين في البيئة. أيضاً تطبيق أنظمة توفير الطاقة في السيارات والأجهزة المستوردة للسوق المحلي والإنارة داخل المنازل وفي المرافق العامة. ومشاريع الطاقة الشمسية الضخمة التي ستشكل مزودًا كبيرًا لهذا النوع من الطاقة في الممكة. ومشروع إنتاج الهيدروجين الذي بدأ الإنتاج وتصدير أول شحنة لليابان. ولا ننسى ما قام به من قيادة فريق كبير في إعادة هيكلة شركة الكهرباء السعودية، والتي تعد من أكبر العمليات في العالم.
نفتخر بمثل هذا القائد، وبرجل كهذا رفع سمعة بلاده ومواقفها للمكان اللائق بها.