د. خيرية السقاف
مذ عقود أربعة وتنوف ما تغيبت عنكم إلا قليلاً في استراحة من ركض،
أو ترميم عن نقض،،
فالمرء توهنه المسارات، وتلم به المرهِقات..
إلا هذه الشهور الأربعة،،
غبت عنكم في غيابة تأمل عميق في هذا الذي مدَّ، واستبدَّ..
لم يدع طفلاً ولا شاباً، لا صبية ولا فتاة، لا مفكراً، ولا سادراً..
لا صحيحاً ولا سقيماً إلا حلَّ منه في منازل عافيته،..
وتلافيف أنفاسه، قبض على حركته، وسجن حريته!!..
باعد خطوة القريب عن الأقرب، وضرب بين الخطوة والخطوة بأسوار وإن كانت من ورق!!..
بات في حضوره ما بين الجدران براريَ، وما خلف عوازل الأبواب آماداً!!..
لوَّن السُّحنات بدكن التَّوحُّد، والعيون ملأها بحيرة التّفقُّد..
حتى الموت جاء به غريباً، موحشاً، يُلتقط به المرء فرداً، ويغيب في الثرى بلا وداع..
لا لقاء، ولا عزاء!!..
أسكت الأفراح، وأطفأ شموعها..
كمَّم الأفواه، وحجر الأنفاس..
وأطلق للدواء مواكبه، وللحذر بوارقه..
في حضوره لم تكن اللحظات لحظات، ولا دبيب الحركة صوتاً..
كل ما حدث به حرض الغيابة أن تفغر فاهها فالتهمت الشغف..
هنا، وجدتني أتلمس ورقي، محبرتي التي تفيض تنامت.. حتى أغرقتني!!..
لكن، كيف لهذه الحروف أن تخرج معافاة من براثن وطأة فقد،
ومواكب نمل يعشش في الرأس يرسل في عروقه حداءً موحشا،
ويذرُّ فيه فسيفساء نقوشه المتضاربة، لوناً، وصوتا..
بينما لم أكن قد ألفت هذه الوحشة الواقبة..
كلما جئت لأقول، لجمتني دموع فقد، ووحشة غياب،
وأسئلة كهدير بركان ينفث بحممه، ويطغى بدخانه..
هذه المحبرة تضج بدم الحروف، وعلاماتها،
وهذا اليراع يتلمَّظ من سطوة لوحة مفاتيح الأجهزة..
كلُّ شيء تعودته هادئاً،
يصرخ في غيابة الوحدة..
كل اعتيادي ألفته يضحكُ،
يبكي في غسق التفرّد..
كل رحيم في الحول أمني وجدته ينهش كما أسنة المتاريس في دولبتها..
كأنه الوقت يأخذنا للشاطئ المضاد..
كأنه القارب يجدف من النهر لليباب.
كأنها الرحلة من الحياة للممات..
كأننا ونحن نواجه هذا النازل المدهش عن قدراتنا في اختبار «قدرات» لم نعبأ بمكنونها،
أو «تحصيل» مكاسب لم ندرك مغبَّاتها!!..
عجزنا عن النجاح!!..
غلبتنا بشريتنا،
إلا تلك النافذة الشاسعة إلى حيث يكون الله..
الله وحده..
هنا،
اترك بين أيدي حروفي اعتذاري لكم عن الغياب عنكم..
لكنه قدر الكاتب حين ينزل في غيابة مثل هذا النازل الشرس بالبشر،
المدهش في سطوته،
المحرض لصمت التأمل،
ووحشة الحقيقة.
والاعتذار موصول إلى «أبي بشار» رئيس التحرير الدمث، الصبور، الذي أفسح لي الوقت..
وانتظر شغفي.