مها محمد الشريف
الكثير من الناس لا يملك أدنى شك بأن كلمة الحرب قد تجاوزت معظم الكلمات المتداولة وطغت على مفردات أخرى كالسلام والتسامح وتندرج ضمن الحرب اللغوية التي فتكت ببساطة الحياة، وتربعت على رأس القائمة واحتكرت الصحف ونشرات الأخبار والبرامج المنوعة والمسلسلات فأصبحت باختصار خطاباً متلفزاً ومقروءاً وقصصاً مقتبسة لمعظم الأفلام العالمية حتى نشرت ثقافة العنف والاستبداد، وأصبحت في بعض المواقف مشروعاً في تكوينه وخلقه.
فقد كان الفارابي أول عالم مسلم يصنف الحرب بهذا التصنيف فإذا صوبنا نظرنا نحو من اهتم بهذه الفلسفة السياسية، أو على الأصح فسرنا تصوره الكبير والصغير للحرب، فإننا نجدهم يعتبرونها حدثاً عابراً أوشكت الأمة أن تتقبله كنوع من متغيرات الحياة العصرية، فكل يحمل في فلسفته السياسية نوعاً آخر من الحروب.
وهكذا تكون الحروب التي مر ذكرها على لسان الفارابي سواء أكانت عادلة أم ظالمة هي حروب تعكس الصراع الاجتماعي إذا كانت مبررة أو مقبولة اجتماعياً، وإذا كانت ظالمة فهي غير مبررة وغير مقبولة اجتماعياً، ومهما كانت الحالة فإن الحرب في جوهرها مؤلمة فضلاً عن تقسيم الفارابي لها ودعوته إلى قتل سكان المدن المتوحشة ولم يسع إلى إصلاح التوحش الإنسي.
ومن جانب آخر نجد أن هذه الوحشية التي فرضها الفيلسوف تفيد بأنه بعيد عن السياسة فاقد للسبل التي تسبق الحرب من مفاوضة وحوار ومقترحات سياسية وبدائل كثيرة ليحل مكانها القتل والإبادة فهذا يجعلنا نثير مزيداً من التساؤلات حول تاريخ الفارابي وكذلك الحال مع ابن سينا وغيره من فلاسفة المسلمين عندما وضعوا الحرب داخل إطار السياسة بوصفها عنصراً أساسياً تقوم عليه المدن وتختفي، ما ساعدنا على استنتاجات جوهرية غيرت مفهوم الطبيعة الإنسانية.
فمنذ القدم يباركون السلاح لنشر الموت في بلدان العالم الثالث، ومن اليسير علينا أن نستبق الأحداث ونضع لكل حرب سيناريو فإذا وزارة الدفاع الأمريكية تراجع «خطط الطوارئ» للتعامل مع متغيرات أمنية قد تحصل في منطقتيّ الشرق الأوسط والخليج بعد الاعتداءات المتكررة التي قامت بها إيران ضد الملاحة التجارية الدولية في المياه الدولية، وكما قيل «مراجعة خطط الطوارئ هي روتينية وتأتي اليوم بناء على معلومات استخباراتية تفيد أن ثمة خطراً جديداً» في النشاط الإيراني في المنطقة، إلا أنه أكد أن ليس هناك «تهديد آني» للمصالح الأمريكية في هذا الوقت.
فعدد الأزمات والضغوط عبر التاريخ القديم والحديث قوة تدميرية لا تنفجر عن مكنونها في الحال، بل تختبئ خلف ستار التقديرات علما بأن السلام شعار الإسلام ومنهج يضبط مؤشر الحياة المتذبذب فالجهود التي بُذلت لصنع المؤتمرات الدولية والمنظمات العالمية لإيجاد ظروف وبيئة مناسبة تعمل على تحقيق انتصارات للسلام وليس انتصارات للحرب، فالفكر الإسلامي ومكانته ومدى مساهمته العميقة والجادة في تناول موضوعات كالحرب مستقلاً بفكره عن الفلسفة اليونانية.
فالحروب في نظر الساسة آخر الحلول فمهما غاص الفلاسفة في تفسيرها إلا أنها تبقى خياراً مطروحاً يحقق أهدافاً سياسية بينما الفارق يبقى في عدالتها لرفع الظلم عن الناس، أو للدفاع عنهم ولذلك يعد بقاء الحروب خياراً قائماً في ثقافة العالم وجزءاً رئيساً من الردع للمتوحشين ولأصحاب المطامع، وتعمل من أجل تنظيم عالم يعايش إرادة عمياء تعمل عكس الطبيعة التي تخدم التاريخ الإنساني، ولو أمعنا النظر جيداً في قيمة التوازن لوجدناها راحة أبدية تحقق السلام الدولي المنشود، وحماية المجتمعات المسالمة التي ترتقي بنفسها ودولها، وتعمل وتطور وتخترع بأمان تحت مظلة حكوماتها القادرة على الدفاع عنها وعن أوطانها.