منيرة أحمد الغامدي
مَن كان يصدّق، بل مَن كان يجرؤ على وصف شخصية اعتبارية عامة ومهمة بالفساد ولا يتوقع فصله أو إقصاؤه من «الفاسد» نفسه! في حين أنه أصبح الفاسد يعاقب «كائناً من كان» ويُشهر به.
مَن كان يتخيل أن تستطيع بكل أريحية نقد معتقد «اجتماعي» ومناقشته بالعقل والمنطق وأنه لا يتنافى مع الدين وكان عليك القبول المطلق بكل شيء -وأعني كل شيء- طالما تم تأطيره بكونه غير جائز! من تلك إغلاق المحلات وقت الصلاة الذي كنا نتكبد معه معاناة سباق الشوارع للحاق بصيدلية أو بقالة قبل أن تغلق أبوابها، ولن أشير هنا إلى جوانب اقتصادية.
من تكون لتقول إن تلك الفتوى غير منطقية أو متناقضة ومتعارضة مع أخرى يمليها علينا ويفرضها على حياتنا من لا يعرف من الدين أبجدياته، في حين وصلنا بحكمة العقلاء إلى تقنين الفتاوى وتصحيح وتوثيق المصادر بما يحقق المرجو من التشريع الإسلامي السمح.
مَن كان أو مَن كانت بالأصح تحلم بأن تقود سيارتها في مدن المملكة المختلفة ذاهبة إلى مقر عملها أو لزيارة قريباتها أو حتى التسوق، ونحن كنا في أوقات مضت نتمنى القيادة حتى لو كانت بشروط أن لا تكون إلا في ساعات محددة وداخل نطاق عمراني بعينه ولفئة عمرية معينة!!! كانت معشر النساء تعاني في إجازة السائق وفي سفر الزوج وفي انشغال الإخوة والأبناء بحياتهم.
مَن كان يتوقع ويستشرف بأن مناهج التعليم ستطور بشكل «مطور» حقيقي وصحيح وكما يجب ومن خلال عقليات منفتحة ومتفهمة لما هو كائن وما يجب أن يكون، فصار التخصص مرتبطًا حقاً بالتنبؤات المستقبلية لحال السوق واحتياجاته، وصار تعلم اللغة الأجنبية كمثال هدف من مراحل عمرية مبكرة حتى لا يكون اجتياز اللغة عائقًا للنجاح في مراحل دراسية لاحقة، وجددت التخصصات وألغيت ما لم يعد هناك احتياج لوجوده.
مَن كان يستطيع القول بخطأ منع المرأة من الحصول على جواز سفر مستقل يتيح لها التنقل متى وأينما وكيفما شاءت دون قيود لزيارة عائلية أو لحضور مؤتمر عملي أو لعلاج أو لسياحة. هل كان يعقل ألا تستطيع المرأة استئجار شقة أو غرفة في فندق إلا من خلال ولي، في حين أصبحت المرأة السعودية سفيرة لبلادها وعضوًا فاعلاً في مختلف المستويات القيادية العليا!
ذلك الواقع كان محط التساؤلات لنا في تعاطينا مع الآخر المتربص من الخارج وكنا نوجد جاهدين مجتهدين المبررات التي لا نراها في قناعاتنا مقنعة ومقبولة حتى نقنع بها الآخرين.
سبحانك ربي مغير الأحوال من حال إلى حال. من يقرأ واقعنا سابقًا من خارج نطاقنا المجتمعي يستشعر أن هذا وصف لرواية من قصص الخيال العلمي.
الحمد لله الذي منحني العمر لأعيش هذا الواقع الجميل والعادل وهذا التغيير الإيجابي الذي كان حتى سنوات قليلة مضت شيئًا من ضروب الخيال.
وحين أقول مَن كان يجرؤ فلأننا كنا نعيش المتناقضات المجتمعية كمسلمات غير قابلة إلا للتصديق، ومع ذلك لطالما ترددت العبارات والتطلعات والآمال في المجالس -وإن كانت همساً- بأن القرار لابد أن يأتي من الأعلى، وحين أتى كان فيصلاً، حازمًا، قويًا، وواقعيًا محققًا لكل التطلعات المنطقية المطلوبة والمرجوة لإنجاز الأهداف التنموية الوطنية المرحلية منها والمستقبلية.
كان حلمًا فأصبح واقعًا للحالمين، ولذا فجميع عبارات الشكر لمحمد المجدد لن تفيه حقه وإن كانت نابعة من جميع القلوب المحبة للوطن وترابه، لكن أجزم بأن دعوات كل المواطنين العقلاء الواعين ذكورًا وإناثًا ستستجاب -بإذن الله- بأن يحفظ الله لنا قيادتنا ويرعاهم ويكلل مساعيهم بالنجاح ويسدد خطاهم لما فيه مصلحة الوطن والمواطن.