د. عبدالواحد الحميد
بحزن شديد تلقيت خبر رحيل الأستاذ الكبير محمد بن أحمد الشدي الرئيس الأسبق لتحرير مجلة اليمامة ورئيس مجلس إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وكنا على مدى الأشهر الماضية نتابع بقلق شديد حالته الصحية، ونتطلع إلى خروجه من الأزمة واستئناف نشاطه الثقافي والاجتماعي، وكان سؤالنا الدائم والأول عندما نلتقي شقيقه صديقنا الأستاذ علي الشدي هو عن تطورات وضعه الصحي، وقد استبشرنا في الآونة الأخيرة بعد التحسن الطفيف الذي بشرنا به الأستاذ علي، ولكن إرادة الله وقضاءه فوق كل شيء ولا راد لقضاء الله وقدره ولا اعتراض على ذلك رغم فداحة الفقد.
وقد عادت بي الذاكرة إلى تلك السنوات البعيدة عندما كنا نتلقف مجلة اليمامة وننتظر صدورها، وكانت هي المجلة الأسبوعية الوحيدة التي تصدر في المملكة في ظل سطوة ومزاحمة شديدة من المجلات المصورة التي تأتي من بيروت مثل مجلة الأسبوع العربي ومجلة الجمهور الجديد ومجلة الخواطر، والتي كانت تتمتع بهامش اجتماعي أكثر رحابة مما كانت مجلة اليمامة تتمتع به في ذلك الوقت.
وقد استطاع الأستاذ محمد الشدي أن يقدم مادة محلية جاذبة من خلال التحقيقات والتقارير والمقابلات والمقالات التي تميزت بها اليمامة عن المجلات التي تأتينا من الخارج، فكانت اليمامة مادة صحفية وثقافية أساسية للكثير من القراء في مختلف مناطق المملكة.
ومازلت أتذكر كيف كنا في الجوف ننتظر وصولها كل أسبوع، وكانت عيون الكثيرين من أبناء جيلي قد تفتحت للتو على القراءة ومتابعة الإصدارات الصحفية والثقافية.
وعلى امتداد سنوات عديدة فتحت اليمامة صفحاتها لأجيال متعاقبة من الشباب الذين دخلوا عالم الصحافة والكتابة من بوابة مجلة اليمامة، فضلاً عن كبار الكتاب السعوديين الذين كنا نقرأ لهم في اليمامة مثل عزيز ضياء وعبدالعزيز الرفاعي وعبدالله الوهيبي وسعد البواردي وغالب حمزة أبو الفرج وسليمان السليم وعبدالله القرعاوي وعلوي طه الصافي وعبدالله الشهيل، وأجيال من الشعراء والقاصين مثل أحمد الصالح (مسافر) وعلي الدميني وحسين علي حسين وجارالله الحميد وعبدالله باخشوين، وأقلام نسائية مثل خيرية السقاف وحصة محمد التويجري ونورة الشملان وفوزية أبو خالد، وأسماء أخرى كثيرة لكُتَّاب وكاتبات عبروا بوابة اليمامة إما كمبتدئين أو كأسماء معروفة.
وعندما تولى الأستاذ محمد الشدي رئاسة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون توسعت فروع الجمعية وغطت العديد من مناطق المملكة، وأسهمت في إنعاش الحياة الثقافية من خلال مجلة التوباد ومجلة الجيل وسلسلة المكتبة السعودية ونادي القصة السعودية والأنشطة المنبرية المتنوعة.
لقد كنت ممن يتطلعون إلى أن يسجل الأستاذ محمد الشدي مسيرته في عالم الصحافة والثقافة في كتاب يحفظ لنا صفحات مهمة من تاريخ صحافتنا السعودية في مرحلة التحول. أما وقد رحل عن عالمنا قبل تحقيق ذلك، فإن لنا وطيد الأمل أن يتم جمع كتاباته المتعددة بين دفتي كتاب أو أكثر.
رحم الله أبا عبدالعزيز، فقد كان له حضور مميز في ساحتنا الثقافية والصحفية، وجزاه خير الجزاء على إسهاماته.