خالد احمد اليوسف
(هو كاتب، صحفي، مثقف بوعي كبير، من أوائل من عمل في الصحافة السعودية، في مرحلة المؤسسات الصحفية، ترأس مجلة اليمامة الأسبوعية، وفي عام 1397هـ/ 1977م عُيِّن رسمياً رئيساً لمجلس إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، ومعه عدد من الأعضاء، بعد أن انتهت مرحلة الصحافة الأسبوعية في حياته.
ذكرت سلفاً بدايات تعرفي عليه، ويهمني الآن مرحلة العقد المنصرم 1410- 1420هـ/ 1990 - 2000م، وهذا العقد هو الذي كنت معه في نشاط وعمل ونجاحات متتالية، رأيت منه الحرص على حضور الثقافة السعودية في كل مكان، ولهذا ذكرت في الحلقات الماضية جوانب منها، وأضيف أنه كان مخلصاً لوطنه، ولقادته العظام، وكثيراً ما تعلمت منه هذا الوفاء والإخلاص والعطاء في العمل حتى أصبح نادي القصة السعودي من أبرز أقسام الجمعية، وهو محدود الإدارة والميزانية السنوية.
الأستاذ محمد الشدي صاحب علاقات واسعة في الساحة الأدبية والثقافية، ولم يمر يوم من دون لقاء أدبي في مكتبه مع أحد هذه الشخصيات، وبعد تواشج علاقتي به أصبح يخبرني -عن طريق سكرتيره- عن ضيفه الموجود في مكتبه، وأحياناً كان يخبرني بنفسه، كان يقدمني للآخرين باعتزاز وافتخار، مما يشعرني بالخجل أمام هذه القامات الكبيرة، وأحياناً يمازح في التعريف بإضافة كلمة منه: هذا من أهل الزلفي! وكأنه يرمي إلى شيء آخر؟ كنت سعيداً بأنه يرغب حضوري في بعض الاجتماعات الثقافية في الجمعية، حتى لو كان حضوري غير مجدول ضمن المجتمعين، لأنه يرغب أن أطلع على بعض تفاصيل العمل في الجمعية، لهذا صارحته يوماً بعد ازدياد العمل لدي في الجمعية وقلت له: هل تتوقع أبو عبدالعزيز إذا تفرغت من عملي الرسمي ورغبت العمل في الجمعية يكون أفضل لي؟ قال لي: (لا لا أنا ما أنصحك تترك عملك مصدر عيشتك وعيشة عيالك من أجل الثقافة! الثقافة ما تأكل عيش؟ خليك كذا متعاون أفضل لك). وأثبتت الأيام صدق جوابه وحكمته العميقة ونصيحته الثمينة.
قدمت له دراسات وتخطيطاً راسخاً مبنياً على قرار رسمي، وهو موجود في درجه: أمر ملكي لإصدار مجلة التوباد قدمه الأمير فيصل بن فهد للجمعية، وأقصد بذلك تثبيت دورية التوباد لتكون مجلة ثقافية وطنية منافسة، كذلك تثبيت سلسلة الكتب التي تصدرها الجمعية، لأن العمل في هذين المسارين خاضع للمزاج، للمصلحة، للمباهاة، وكسر عمل الآخرين، ويحزنني جداً أن تنتشر - الجمعية - في ملفات أخرى فقط من أجل أن يقال إصداراتنا كثيرة ومنتشرة في كل مكان، وهذه خسارة كبيرة في تاريخ الجمعية.
مما أعرفه عنه من كتابات كثيرة، ومقالات ودراسات جيدة، نصحته في يوم من الأيام -وأنا تلميذه الصغير- أن يُخرج ما في أدراجه من كتابات له، أن يحفظ اسمه وعمله في تاريخ الوطن الأدبي والثقافي، لكنه كان يسوف كثيراً، ويؤجل عمل اليوم إلى الغد، لأن بريق الموقع والكرسي هو الطاغي في وقته، ولكن المستقبل لا يعرف ولا يعترف إلا بما خلدته الكتب).
وردت هذه الشهادة في كتابي: نقاء الطين الأبيض: سيرة ثقافية، لكن في حيثيات الكتاب جاءت تفاصيل كثيرة عن علاقتي الأدبية والثقافية مع الراحل الأستاذ محمد بن أحمد الشدي -غفر الله له ورحمه وأدخله فسيح جناته- منذ بداية الثمانينات الميلادية، أي أنها علاقة تجاوزت عقدين من الزمن.