عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
من يوم لآخر يستيقظ العالم على خبر استهداف إيران ناقلات في الخليج العربي، للتأثير على حرية التجارة العالمية والملاحة البحرية من خلال أذرعتها وهي جماعة الحوثيون في اليمن وحزب الله في لبنان والميليشيا الشيعية في العراق، فضلاً عن محاولاتها لإثارة القلاقل في دولة البحرين.
وتعالت أصوات دولية في أعقاب عن استهداف إيران للناقلات بشكل متكرر والذين طالبوا بمحاسبة إيران على أفعالها ومواصلتها زعزعة الاستقرار في المنطقة؛ إذ رأى الكثير من الدول والمتابعين للمشهد العام في منطقة الشرق الأوسط أن هذه الاستهدافات تعد تجاوزاً لكافة الخطوط الحمراء، فيما بعثت إسرائيل برسالة إلى مجلس الأمن، تحذر فيها من سلوك إيران العدواني والمتزايد في الشرق الأوسط، معتبرة أن الهجوم على ناقلاتها في الخليج يثبت أن النظام في طهران يواصل بشتى الطرق زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتهديد حركة الملاحة التجارية الدولية عند مضيق هرمز وباب المندب وغيرهم.
وتبعث إيران من خلال هذا الاستهداف، برسالة للمجتمع الدولي بأنها تسيطر عبر مليشياتها على البحر الأحمر وتعمل على إظهار قدرتها على تهديد ممرات التجارة الدولية دون خوف من أي عقاب، بالإضافة إلى كونها تمثل ورقة ضغط ووسيلة تهديد لضمان عدم التحرك حيال تجاوزاتها، إذ تسعى لتصدير قدرتها على إغلاق الخليج والبحر الأحمر في آنٍ واحدٍ، والسيطرة على مضيقي باب المندب وهرمز.
إيران من جانبها اختارت التصعيد واستهداف ناقلات النفط والتجارة الدولية في وقت تسعى فيه الدول الأوروبية الكبرى الموقعة عام 2015 في العمل المشتركة (الاتفاق النووي) إلى جانب روسيا والصين وإيران والولايات المتحدة التي انسحبت منها بقرار من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى إنقاذ الاتفاق من الانهيار بعد تخلي إيران عن جميع تعهداتها بموجبه وتخصيبها لليورانيوم بلا حدود.
وتسعى تلك الدول لضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني ومنعها من حيازة أسلحة نووية تشكل خطراً على الاستقرار، وفق تلك الدول، ولإيران سوابق في تنفيذ اعتداءات على منشآت نفطية وناقلات في مياه الخليج، كان آخرها استهداف الناقلة «أم/تي ميرسر ستريت» التي يشغلها رجل أعمال إسرائيلي، قبالة سواحل سلطنة عمان في 29 يوليو.
وفي خضم تصاعد التوتر بين إيران والدول الغربية بعد تقديم بريطانيا وثائق لمجلس الأمن بشأن تورط إيران في الاعتداء على ناقلة النفط ميرسر ستريت التابعة لشركة إسرائيلية وتهديد إسرائيل بالانتقام وحث أمريكا على ضرورة ردع إيران، هدد مسؤولان عسكريان بالحرس الثوري برد صارم وجر الصراع إلى ساحة بعيدة عن الأراضي الإيرانية.
في هذا الصدد نتناول جرائم إيران وجماعة الحوثي الإرهابية التي شنت منذ انقلابها على الشرعية اليمنية العديد من جرائمها الإرهابية التي طالت بشكل عشوائي ناقلات النفط والسفن التجارية بإيعاز وتخطيط ودعم وتسليح إيراني، وزرعت المئات من الألغام البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، في استهداف تام وغير مسبوق ومبرر لخطوط الملاحة الدولية وحركة التجارة وأمن الطاقة العالمي، إضافة إلى الهجوم بصواريخ وطائرات مسيرة على المنشآت النفطية وبعض البنية التحتية للمملكة العربية السعودية، وتمادت ميليشيا الحوثي في الممارسات الإرهابية، في ظل تخاذل دولي، ودون اتخاذ رد دولي قوي وفوري في التصدي لإرهاب الدولة الذي يمارسه نظام إيران الإرهابي وميليشيا الحوثي التابع له، ووقف أنشطتهم وميليشياتهم الطائفية المزعزعة للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، تسعى إيران من اتباع سياسة استهداف الناقلات البحرية في الخليج العربي عدة أهداف نذكر منها:
- موازنة الضغوط على صادراتها النفطية: سبق وأن صرح روحاني بأنه إذا حرمت إيران من تصدير نفطها؛ فإنها ستحرم دول المنطقة من الأمر ذاته.
- التأثير على مواقف القوى الكبرى من مدخل الاقتصاد: تدرك إيران بأن تعطيل حركة الملاحة الدولية في (الخليج العربي وخليج عمان) وواحدة من أهم الممرات الملاحية الدولية في العالم (مضيق هرمز) الذي يمر من قرابة 20 % من صادرات النِّفط العالمية، بمثابة ورقة ضغط من أجل مواجهة التحديات التي تفرضها عليها الولايات المتحدة والتراخي الأوروبي في التعامل مع الأزمة، باعتبار أن سياسة استهداف حركة الملاحة في هذه المنطقة ستكون لها تداعيات سلبية كبيرة على أسعار النِّفط عالمياً، وهو أمر قد تأخذه الدول الكبرى بالحسبان عند التعاطي مع الملف الإيراني.
- استهداف إيران للناقلات الهدف منه إيصال رسائل سياسية بأنها تمتلك أوراق ضغط قوية ومؤلمة ومؤثرة على حركة الملاحة الدولية، وأنَّ هناك تكلفة كبيرة ستتحملها أي دولة قد تستهدف صادراتها النِّفطية التي تتم بالمخالفة للعقوبات.
- أيضاً تسعى إيران من خلال ممارستها الإجرامية التهديد بورقة أمن المنطقة واستقرار اقتصاداتها:
إذ أن تدرك إيران دور بعض القوى الإقليمية الرئيسية في حملة الضغوط المكثفة التي تواجهها إيران، لذلك فإنها ترمي من وراء استهداف ناقلات النفط إلى التأثير على الاستقرار الاقتصادي لهذه الدول، لما تمثله حركة التجارة سواء المتعلقة بالنفط أو غيرها من مجالات من أهمية كبيرة في دعم استقرار هذه الدول.
يذكر أن نقالة ميرسر ستريت تعرضت لهجومين فاشلين بطائرات مسيرة مساء 29 يوليو، وفي 30 يوليو تعرضت للهجوم الثالث الذي أسفر عن مقتل اثنين من أفراد طاقم السفينة أحدهما مواطن بريطانيا والثاني مواطن روماني.
وحملت بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل ورومانيا إيران المسؤولية عن الهجوم، غير أن طهران رفضت قطعياً هذه الاتهامات.
وأفادت وسائل إعلام بأن بريطانيا أرسلت قوات خاصة إلى اليمن بهدف ملاحقة منفذي الهجوم بطائرة مسيرة على الناقلة «»ميرسر ستريت» في خليج عمان الأسبوع الماضي، حيث يساعدهم موظفون محليون متعاونون مع وزارة الخارجية البريطانية ومطلعون على الوضع في المنطقة على ملاحقة «المرتزقة من جماعة الحوثيين المسؤولين» عن الهجوم.
وحملت المندوبة البريطانية لدى الأمم المتحدة إيران مسؤولية الهجوم على السفينة، وقالت إن ما تقوم به إيران يشكل «تهديداً للأمن والسلم الدوليين».
أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت «بشكل قاطع» تورط إيران في الهجوم المميت على ناقلة نفط قبالة سواحل عمان، وهي اتهامات وصفتها طهران بأنها «لا أساس لها من الصحة».
وقال وزراء خارجية مجموعة الدول السبع في بيان إن «إيران تهدد الأمن والسلام الدوليين وإن كل الأدلة المتاحة تشير إلى أنها وراء هجوم الأسبوع الماضي على ناقلة المنتجات النفطية ميرسر ستريت» التي يملكها يابانيون وترفع علم ليبيريا وتديرها شركة «زودياك ماريتايم» الإسرائيلية.
ونفت طهران تورطها بأي صورة من الصور في الهجوم الذي يشتبه في أنه نُفذ بطائرة مسيرة، وأسفر عن مقتل اثنين من الطاقم أحدهما بريطاني والآخر روماني.
أعلنت القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية (سينتكوم) أن استنتاجات الخبراء تؤكد أن الطائرة المسيرة التي استخدمت لاستهداف ناقلة «ميرسر ستريت» في خليج عمان كانت إيرانية الصنع.
وتشير استنتاجات الخبراء إلى أن الطائرة المسيرة كانت تحمل متفجرات ذات استخدام عسكري، تسببت بتفجير أدى إلى أضرار كبيرة في السفينة.
وبعد إجراء فحوصات كيميائية، تم تحديد أن المتفجرات المستخدمة هي من نوع RDX.
ويشير تحليل حطام الطائرة إلى أنها مطابقة للنماذج السابقة من بقايا طائرات مسيرة إيرانية.
وأضافت «سينتكوم» أنها قدمت الأدلة للخبراء البريطانيين والإسرائيليين، وأن استنتاجات الخبراء في البلدين كانت متطابقة مع استنتاجات الخبراء الأمريكيين.
وكان الجيش الأمريكي الذي توجهت قواته البحرية إلى موقع الحادث استجابة لنداء استغاثة، تحدث عن أدلة أولية على هجوم بطائرة مسيرة. لكن لم تتبن أي جهة الهجوم، فيما تحدثت شركة «درياد غلوبال» المتخصصة في الأمن البحري عن «أعمال انتقامية جديدة في الحرب التي تجري في الخفاء بين القوتين»، أي إيران وإسرائيل.
جدير بالذكر أنه سبق أن ذكرت صحيفة «تايمز» البريطانية أن طاقم الناقلة «أسفالت برينسيس» تمكن سابقاً من إحباط محاولة من «كوماندوز إيرانيين» لاحتجاز سفينته قبالة الإمارات وجرها إلى الجمهورية الإسلامية.
وارتبط التصعيد الإيراني في الهجوم على الناقلات برغبة الرئيس الإيراني «إبراهيم رئيسي» فرض قواعد جديدة، تتعلق بسرعة الرد الإيراني على استهداف إسرائيل لوجودها في سوريا، وقدرتها على الرد ليس فقط في البر، وإنما أيضاً في البحر، وإحداث خسائر بشرية، وهو الأمر الذي كانت تتجنبه طهران من قبل في الهجوم على السفن الإسرائيلية.
ومن المؤكد أن الهجوم على الناقلة «ميرسور ستريت»، جاءت رداً على الهجمات الإسرائيلية على مناطق نفوذ إيراني داخل سوريا، وتدلل مؤشرات الحادثين على رغبة إيران في فرض معادلة جديدة للتصعيد بين الطرفين.