د. محمد بن إبراهيم الملحم
هذه الساعة هي ابتكار جميل بدأ ينتشر مؤخراً في الغرب حيث يخصص للصف ساعة أسبوعياً يمارس فيها الطالب ما يحبه من الأنشطة التعليمية التي تكون نتيجتها استكشاف شيء ما أو التوصل إلى فكرة أو معلومة ما، ولا يلزم أن تكون مرتبطة بالمنهج بل في أي مجال يتضمن المعرفة أو اكتساب المهارة، وهنا يبدأ الأمر بأن يطرح الطالب سؤالاً ما على نفسه حول أمر من الأمور التي شدت انتباهه، وعلى الرغم أن الإجابة أو المعلومة قد تكون معروفة عند المعلم لكنها بالنسبة للطالب اكتشاف جديد ينبغي أن يصل إليه من خلال التعلم بالتجريب والبحث ولا يقصد بالبحث أن يبحث عن الإجابة لتساؤلاته في قوقل ويعثر على المعلومة أو الإجابة وإنما من خلال تجربته الشخصية، فمثلاً قد يتساءل ماذا يحدث لو وضعنا لنبتة ما إضاءة حمراء أو زرقاء بدلاً من ضوء الشمس ذي اللون الأبيض أو ماذا يحدث لو كرر الطالب شكلاً هندسياً معيناً في رسم متكرر بنمط معين أو كيف يصل إلى نفس النتيجة الحسابية لمسألة بطرق مختلفة عن التي تعلمها وهكذا.. فلا توجد محددات للموضوعات التي يقترحها الطالب للتعلم في ساعة العبقرية هذه فلا يلزم أن ترتبط بالمنهج، وإنما ترتبط به هو فيكون لديه شغف نحو الموضوع ولديه إمكانية للتوسع فيه والاستكشاف، والمعلم يقوم بمساعدته في حدود التوجيه فقط فهو يسهل له الوصول إلى مهمة أو قضية لبحثه تتناسب مع إمكاناته، ويساعده في التقييم المرحلي لما أنجزه وتقديم نصائح عامة له دون أن يتدخل في عمله، كما أن المعلم يقود انضباط عملية التعلم لجميع الطلاب بوضع مراحل للعمل ليمنع تحول ساعة العبقرية (التي هي ساعة عمل) إلى ساعة حرة قد لا يمارس فيه الطالب أي نشاط أو يفتر عن العمل، بل هناك مراحل للإنجاز على الطالب أن يعمل عليها ليصل إلى ما يطلبه منه المعلم، فهناك مثلاً مرحلة انتقاء الفكرة وطرح أسئلتها الاستكشافية، يليها مرحلة أولية لبحث الإمكانيات، يليها مرحلة البحث والاستقصاء، ثم نتائج أولية، ثم نتائج نهائية وعروض، وهكذا يجد الطالب نفسه في إطار عملي يحتم عليه الإنجاز وفي نفس الوقت فإن حرية اختيار الموضوع تجعله منشغلاً بما يحبه ويهواه ويجعل من هذه الساعة وقتاً محبباً إليه يختلف عن ساعة الحصة المنهجية التقليدية، ولا يحتاج أن نتكلم عن الجو الاجتماعي التعاوني الجميل بين الطلاب حيث يسأل بعضهم بعضاً، وفي أثناء عرض أحدهم لمرحلة من مراحل مشروعه فإن بقية الطلاب يبادرون بآرئهم ومقترحاتهم وهو بعد آخر للتعلم وبناء الشخصية المعرفية للطالب لا يمكن أن توفرها له حصة المنهج التقليدية.
تحدثت عن ساعة العبقرية هذه في مقال قديم وكان ذلك في صورة عامة وأعيد الحديث عنها اليوم داعياً إلى تطبيقها خاصة مع ظهور خطط دراسية جديدة وثلاثة فصول وتوجهات نحو تدريس غير نمطي، لا سيما أنها ساعة واحدة أسبوعياً لا أكثر لكن ينبغي أن يستثمرها المعلم أفضل استثمار، كما ينبغي أن يدرب المعلمون على كيفية تطبيقها وتوضع لها معايير واضحة لتقييم الأداء فالمعلم يفترض أن يقدم طلابه في نهاية الفصل الدراسي عروضاً توضح ما توصلوا إليه أو أنتجوه، كما يقدم هو تقاريره عن هذه الحصة للإدارة على هذا الأساس، كما أن الطالب وولي أمره عليهم أن يتفهموا فكرة هذه الحصة لتقديم المطلوب فيها بنفس السياق الذي تتطلبه علماً أن إنتاج الفكرة يكون أثناء حصة ساعة العبقرية وبإشراف المعلم وليس خارجها أو لدى «الخطاطين» كما هو حال ما يسمى «النشاط الطلابي».
أعتقد أن الأمر يستحق التجربة وأدعو إليها من هذا الباب على أقل تقدير ليتمكن المشرفون على التعليم من فهم أبعاد هذه الفكرة وكيفية تطبيقها في بيئتنا وظروفنا ومن ثم تكييف الظروف أو توفير ما يلزم ليحدث التواؤم التام مع الفكرة ومتطلبات نجاح تطبيقها. Genius Hour ادرسوها يا خبراء التعليم ويا محبي التطوير في المدارس الأهلية الجادة وشاهدوا تطبيقها لدى الدول المنفذة لها وحاولوا أن تقتبسوها ففيها خير كثير، كلمة أخيرة أهمس بها «احذروا أن تخلطوا بينها وبين حصة النشاط التي تحولت إلى حصة فراغ لسوء التطبيق».