الانتماء والهُوِيَّة مصطلحان بينهما كثير من الروابط المشتركة، حيث يُستخدم أحدهما جزءًا في تعريف الآخر. ومما خلصت من قراءتي في هذا الموضوع، أن الانتماء شعور داخلي ويكون متعددًا، أما الهُوِيَّة فهي شيء ظاهري وفريد، ولقد جمع بينهما أمير علوان في كتابه «الهُوِيَّات القاتلة»، حيث قال: «إن الهُوِيَّة مؤلفة من انتماءات متعددة، ولكن لا بد من التأكيد كذلك أنها واحدة، وأننا نعيشها بكليتها». والانتماءات الأساسية هي: الدين، واللغة، والوطن، والقبيلة. ولا بد من اختيار إحداها ليكون هُوِيَّة، كما أكد علوان في موضع آخر من كتابه الآنف الذكر، حيث قال: «إن هنالك انتماءً أساسيًّا يسمو على الانتماءات الأخرى كافة مهما كانت الظروف، يمكننا أن ندعوه بصورة مشروعة «هُوِيَّة»».
فالانتماء للدين - وهو في حالنا الإسلام - يعد من أقوى الانتماءات، وهو الذي قامت عليه دعوة رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم؛ فهو هُوِيَّة مَن كانوا في تلك الحقبة، وعاش المسلمون بسلام، إخوة متحابين، على أساس «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى»، ومع ذلك تَقبَّل المسلمون التعايش مع اليهود في المدينة، وقبلوا جوارهم، ومنحوا اليهود والنصارى الحرية التامة في ممارسة طقوس دينهم، وأُعطي المُستأمَنون والمُعاهَدون الأمان والعيش في بلاد المسلمين، وحُرِّمَت أذيتهم، حتى إن «من قتل مُعاهَدًا لم يَرِحْ رائحة الجنة». لكنْ شاب هذا الانتماءَ كثيرٌ من التشويه؛ بظهور الانتماءات الحزبية والمذهبية والتطرف الديني، ممن غذى الإرهاب، والتناحر باسم الإسلام، حتى إنه لا يُكتفى بذكر لفظ «مسلم» للتعبير عن الانتماء، بل استُعيض بذكر المذهب أو الطائفة بدلًا عنه.
أما الانتماء للغة - وهي في حالنا اللغة العربية - فحال الأمة العربية في هذا الزمان لا يشجع لجعله انتماءً أساسيًّا تتشكل منه الهُوِيَّة. أما الانتماء للقبيلة أو المنطقة فهو من أسوأ الانتماءات، ولا يصلح بأي حال من الأحوال انتماءً أساسيًّا، فهو أكبر وقود للعنصرية المقيتة، التي تسببت في كثير من المشكلات الاجتماعية.
وأما الانتماء للوطن، فهو أصلح الانتماءات - في الوقت الحاضر - ليكون انتماءً أساسيًّا تتشكل منه الهُوِيَّة؛ لأننا مطالبون بالعثور على هُوِيَّتنا بعيدًا عن الانتماءات التي قد تكون سببًا من أسباب الصراعات، وهو الوحيد الذي يحقق ذلك. وحب الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه من الإيمان، ولا تعارض بينه وبين إخلاص العبادة لله، فالمقتول دفاعًا عن ماله وأرضه شهيد.
ولن نصل إلى السلم المجتمعي حتى يكون الانتماء للوطن هو الانتماء الأساسي الذي تتمثل فيه هُوِيَّتنا، وهذا لا يُلغي بقية الانتماءات بل يجعلها تابعة له، لأن الأعداء لن يستطيعوا التغلغل في بلاد ما إلا بعد أن يُفسدوا مواطنة شعبها، وواقعنا المجاور خير شاهد على ذلك، فعندما بُنيت تلك الدول على تعظيم الهُوِيَّات الفرعية على حساب الهُوِيَّة الوطنية، تَشكل عندها مواطنون يدينون بالولاء لأطراف خارجية، فتزعزع الأمن وانتشرت الفوضى، وضاقت المعيشة وانحدر الاقتصاد.
** **
@msubaie1