زكية إبراهيم الحجي
يقول المثل الشعبي المعروف «لسانك حصانك إن صنته صانك.. وإن خنته خانك» البعض يجهل أثر الكلمة في النفوس.. ولا يدرك كيف يمكنها أن تغير من حياة الناس.. بل يعتقد أن الكلام سيظل كلاماً مهما حدث.. الكلمة ليست مجرد مجموعة حروف نرتبها لنكون منها جملاً تعبيرية تُقرأ أو تُسمع أو تُؤول بأساليب مختلفة وحسب ما نبتغي.. الكلمة أعظم من ذلك كله، هي معنى لابد أن ندركه ونستوعبه وهي مسؤولية نُحاسب عليها وأثر يتركه الإنسان بعد مماته.. سُئل الجاحظ يوماً ما عن صفات الإنسان العاقل فقال (هو الذي يعلم متى يتكلم وكيف يتكلم ومع من يتكلم) مقولة نستشف من خلالها أن الكلمة ابنة التفكير.. فرب كلمة جافية أو نابية ينطق بها اللسان تكون سبباً في تفريق شمل أسرة ورب كلمة حانية أنقذت إنساناً مرَّ بمحنة عسيرة.. وكثيراً ما يُفسد الود بين الناس كلمة نابية مؤذية ليست في محلها فنحن لا يمكننا التحكم في طريقة تأويل الآخرين لأفكارنا لكننا بالمقابل يمكننا التحكم في كلماتنا التي نختارها في نقاشنا وحوارنا معهم.
الكلمة سلاح ذو حدين نافع وقاتل، فقد تُحيي همة وتبني أمة وعلى النقيض فقد تُسقط قمماً وتُهلك أمماً، لذلك لا يمكن الاستهانة بقوة تأثيرها فكم من فتن قامت وكوارث حلت وخلافات استشرت بسبب غِرٍ لا يعرف للكلمة قيمة ولا لتبعاتها من عواقب وخيمة.. وكم من حبال ودٍ تمزقت بسوء فهم.. وكم من جسور محبة هُدِمت بسبب تحوير لمعنى كلمة أدى إلى تحولها إلى معنى مضاد فتسببت في ايقاد صراع بين أفراد أو جماعات أو حتى دول.
إن حياتنا ليست من صنع أفكارنا فقط بل هي أيضاً من صنع كلماتنا ولا يمكن أن تصدر كلمات تشكل جملاً مفيدة دون إعمال للعقل قبل التلفظ بها.. وصناعتها أكبر وأعمق وأكثر فاعلية مما نظن والألفاظ والكلمات وعاء للمعاني.. ولِم لا، فسقراط الفيلسوف اليوناني كان يوماً ما جالساً بين تلاميذه يتبادلون الحديث فيما بينهم ويخوضون في مواضيع شتى مختلفة ومتنوعة، وهو يصحح ويُقيم وخلال دائرة النقاش أقبل رجل تشي ملامحه بالكبر والتعالي ووقف أمام سقراط، نظر إليه سقراط طويلاً ثم قال «تكلم حتى أراك».
التطور الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة أثر على نحو كبير في نمط العلاقات الاجتماعية ابتداءً من أفراد الأسرة مروراً بالأصدقاء وحتى الغرباء الذين نقابلهم على منصات التواصل، هذه المنصات التي أسهمت في تحويلنا من أفراد اجتماعيين «واقعياً» إلى أفراد اجتماعيين «افتراضياً» هذا التحول لم يمس مفهوم المعايير والقيم والروابط الاجتماعية فقط بل مسَّ وأثر تأثيراً كبيراً على كلماتنا وعباراتنا، وبالتالي لغتنا.. الكلمة مسؤولية ويتعاظم دورها في المنعطفات الحادة والقضايا الكبرى وحجم مسؤولية الكلمة يتناسب مع مكانة المتلفظ بها.. لذا فلنحسن اصطفاء كلماتنا قبل أن تخرج من أفواهنا.