قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}، وفي الحديث عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة». فإذا كان ذلك الفضل للمساجد عموماً فالفضل أجل وأشمل للمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. وقد جاء في الحديث الشريف عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام».
وأشار الحافظ ابن كثير إلى أن المقصود بالمسجد في الآية «لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه»، هو المسجد النبوي الشريف. وقد تم جمع فضلهما في الحديث عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا».
يعد قادة المملكة العربية السعودية خدمة الحرمين الشريفين والعناية بالمشاعر المقدسة أهم واجباتهم. وظهر ذلك جليا في مشروعات توسعة الحرمين الشريفين التي ابتدأت منذ عهد الملك المؤسس، عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله، الذي أعاد الله على يديه الأمن والأمان إلى معظم أنحاء الجزيرة العربية. وقد استمر أبناؤه البررة من بعده بتلك العناية التي يتشرف بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، اللذان يعنيان بعمارة وتوسعات الحرمين الشريفين بالإضافة إلى المشاعر المقدسة وكل ما يسهل على الحاج والعمار والزوَّار أداء شعائرهم ونسكهم.
عنيت رؤية المملكة 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد برعاية خادم الحرمين الشريفين، بالحرمين الشريفين فكانت خدمة ضيوف الرحمن على أعلى قائمة أوليات الرؤية الطموحة. وتمثل العناية بالحرمين الشريفين من أولى الأوليات تقديرا لما في ذلك من تشريف، ولما لهما من دور أساسي في صورة المملكة ودورها العالمي. وإذ يحفظ التاريخ لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، اهتمامه بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، فإنه سيحفظ لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، حرصه على إيلاء الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة ما تستحقه من عناية ورعاية بدت جلية في مواضع كثيرة من رؤيته للمملكة 2030.
لعل من أبرز ملامح الاهتمام بمكة المكرمة الأمر الملكي بإنشاء الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، من أجل الارتقاء بالأعمال والخدمات المقدمة، لتحقيق الازدهار والتنمية المستدامة بما يتناسب مع مكانة مكة المكرمة وقدسيتها، وتدل رئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز دلالة كافية على مقدار الحرص والاهتمام. ومع ما للهيئة الملكية من دور محوري إلا أن حدود نطاقها الجغرافي وحاجة الامتداد إلى المسجد النبوي الشريف ومثالية التركيز على الحرمين الشريفين، فإن العناية بعمارتهما ربما تحتاج إلى نقلة تنظيمية توازي تحديات الرؤية وطموحها إلى الرقي بخدمة الحرمين الشريفين إلى أعلى المستويات. وقد يكون من المناسب النظر في جعلها برنامجاً مستقاً من برامج الرؤية. وتمثل عمارة الحرمين الشريفين وما يتبعها من تشغيل وصيانة وإعلام وإدارة مهمة بالغة الأهمية ربما تحتاج أن تكون تحت الإدارة العليا المباشرة تأكيداً للاهتمام وإبرازه للدعم.
وامتدادًا للفكر التجديدي لسمو ولي العهد، الذي انعكست بعض ملامحه في الرؤية وبرامجها ومشروعاتها، أقترح ما لا يخفى عليه أيده الله، إنشاء الهيئة الملكية لعمارة الحرمين الشريفين، برئاسته رعاه الله، وذلك لعمارة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، تطبق نمط إدارة مختلف يتماشى مع متطلبات العمارة والتطوير. ويقترح أن تكون الهيئة مسؤولة عن:
1- عمارة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة.
2- أعمال الابتكار والتشغيل والصيانة والإدارة للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة.
3- صيانة الكعبة المشرفة وكسوتها.
4- صيانة الحجرة النبوية الشريفة وكسوتها.
5- إدارة الحج والعمرة في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة.
6- التنمية الشاملة للمناطق المحيطة بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة واستثمارها.
7- إنشاء واستثمار الأوقاف وإدارتها، بما في ذلك الأوقاف على الحرمين الشريفين خارج المملكة.
8- عمارة المساجد الرئيسية كمسجد قباء والقبلتين ومساجد المواقيت.
9- عمارة المعالم التاريخية: مكتبة مكة المكرمة ومكتبة المسجد الحرام.
10- توثيق عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف والمشاعر المقدسة.
11- التعريف بعناية المملكة بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة والحج.
12- إنشاء المراكز الثقافية والمتاحف المعنية بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة والحج.
13- ما تراه الهيئة من برامج ومشروعات ومهام تتعلق بمسئولياتها ومهامها.
تكون للهيئة شخصية اعتبارية مستقلة وترتبط بخادم الحرمين الشريفين، ويكون للهيئة مجلس إدارة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وعضوية الجهات ذات العلاقة بالشئون الدينية والتنموية والثقافية والإعلامية، ويكون للهيئة رئيس تنفيذي بمرتبة وزير، وتكون مهام الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي في ضوء ما سبق مقتصرة على الجوانب الدينية. وستكون الهيئة إضافة جديدة مؤكد على اهتمام قادة المملكة العربية السعودية بأغلى ما يهفو إليه كل مسلم، ومبرز لاهتمام رؤية المملكة 2030 وشموليتها ولحرص سمو ولي العهد حفظه الله على العناية شخصياً وبفكره التنموي السباق على عمارة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة.
** **
- د. زاهر عبد الرحمن عثمان