خالد بن حمد المالك
يحاول بعض الإعلاميين اللبنانيين من خلال قناتي (المنار) التي تنتمي لحزب الله، و(OTV)، وهي قناة حزب الرئيس عون (التيار الوطني الحر) الذي يرأسه صهره جبران باسيل، أن يوهموا الرأي العام اللبناني عن تدخل سعودي في الشأن اللبناني الداخلي، بالتوازي مع التدخل الإيراني الذي لا يستطيعون نفيه، وإن حاولوا تخفيف وطأته بإقحام المملكة كطرف آخر في هذا الاتهام الثابت على إيراني بتدخلها السافر.
* *
وإذا نفينا صحة هذا الادعاء بحق المملكة، فإننا لا نستطيع نفيه بالمطلق، أو مقارن التدخل السعودي بنوع التدخل الإيراني في لبنان، وفقاً لما هو معلن وموثق ومعروف لدى القاصي والداني من اللبنانيين وغير اللبنانيين، بما لا يمكن إنكاره، أو تشويهه، أو أخذه إلى غير سياقه الطبيعي، مهما تكررت الأكاذيب، والافتئات على الحقائق، وتصويرها في غير واقعها الصحيح.
* *
وبموضوعية نقول إن المملكة على امتداد تاريخ العلاقات الثنائية مع لبنان تدخلت في الشأن اللبناني في أكثر من مسار، فعندما اشتعلت الحرب الأهلية وعجز العالم عن إيقافها تبنت المملكة جمع كل الفرقاء والأحزاب وأمراء تلك الحرب الدامية إلى مؤتمر تصالحي في الطائف، وبهذا التدخل توقَّف القتال، وأصبح هذا الاجتماع بما صدر عنه من قرارات، هو القانون الذي ينظم الحياة الدستورية، ويعالج كل خلاف قد ينشأ بين اللبنانيين اعتماداً على التوافق فيما بينهم خلال مؤتمرهم بالطائف، وهو تدخل لا تنفيه المملكة.
* *
والمملكة ضمن تدخلاتها في لبنان، قدمت له من المساعدات المالية والعسكرية ما لم تقدمه أي دولة في العالم، ولم تكن لها أي شروط مرتبطة بهذا الدعم غير المسبوق، وإنما كان همها أن يستقر لبنان ويهنأ اللبنانيون بأمن وسلام، وأن يسود التفاهم بين اللبنانيين، لمنع تكرار الخلافات وما تؤدي إليه من نتائج سلبية، ليست في صالح أي فئة أو حزب من اللبنانيين.
* *
وتدخلت المملكة في لبنان أيضاً بما لا يمكن لها أن تخفيه، أو تتنصل منه، حين سمحت للبنانيين وللشركات اللبنانية بالعمل في المملكة بأعداد لا مثيل لها في أي دولة عربية، مع حرية كاملة في نقل أموالهم إلى لبنان، ما شكل دعماً غير مباشر من المملكة لتحسين الوضع المالي في لبنان، وحماية الاقتصاد من الانهيار، بل وتحسين ظروف المعيشة لدى أعداد هائلة من اللبنانيين المقيمين في لبنان، أي أن المملكة لم تتردد أبداً في ممارسة هذا النوع من التدخل في الشأن اللبناني.
* *
ومن ضمن تدخل المملكة في لبنان، أنها أوقفت استيراد المواد الغذائية من خضراوات وفواكه وغيرها من البضائع، عندما أصبحت مصدر تهريب للمخدرات، بالتمويه من خلال إخفائها ضمن المواد الغذائية بأساليب مبتكرة للإضرار بشعب المملكة، أو باستخدام أراضي المملكة نقطة عبور إلى دول أخرى، فاضطرت المملكة إلى التدخل، ومنع الاستيراد من لبنان، وقد تضرر لبنان بسبب عدم جدية مسؤوليه في منع تهريب المخدرات، رغم تكرار نداءات المملكة ومحاولاتها مع من يعنيهم الأمر من المسؤولين في لبنان.
* *
وهناك تدخلات كثيرة من المملكة على هذا الشكل، ولا داعي للاستطراد في استعراضها، إذ تكفي هذه الأمثلة للرد على الاتهامات الباطلة التي تقودها الأحزاب اللبنانية التي تدين بالولاء والتبعية لإيران، معرضة مصالح الشعب اللبناني، واستقلال البلاد إلى ما نراه الآن شاهداً على ما وصل إليه لبنان من فوضى وانهيار، واتجاهه إلى الجحيم بحسب وصف الرئيس اللبناني ميشيل عون.
* *
لكن ماذا عن التدخل الإيراني في لبنان، مقارنة بما ذكرناه عن التدخل السعودي، وفق ما هو معلن، وثابت، وموثق، بما لا يمكن إنكاره، أو نفيه، أو القول بغير ما سنورده ضمن هذا الرصد لإيضاح الفرق بين التدخل السعودي والتدخل الإيراني في الشأن اللبناني، وأين تتجه بوصلة المصلحة اللبنانية إلى تدخل الرياض أم إلى تدخل إيران؟.
* *
يقول حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، ذو الصبغة الإيرانية، وهو الحزب الذي يشكل ذراعاً لإيران بما معناه: إن مرئيات الحزب، وأسلحة الحزب، وكل احتياجات حزب الله تأتي من إيران، وإن هذا ليس سراً، ومن لا يعرف عن ذلك عليه أن يعرف. أي أن إيران تدعم وكلاءها وأذرعتها المخربة، ولا تقدم دعماً للبنان، وضمن هذا التدخل تعلن إيران أن بيروت أصبحت إحدى العواصم الإيرانية، ويصادق حسن نصر الله على ذلك، فيعلن أن هدف الحزب ليس السيطرة على لبنان، وإنما أن يكون لبنان جزءاً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وضمن دائرة ولاية الفقيه.
* *
أي أن إيران لا تدعم لبنان، وإنما تتدخل في شؤونه بدعم حزب أصبح يشكل خطراً على لبنان، كونه يتفوق عسكرياً على الجيش اللبناني والأمن اللبناني، ويحقق مصالح إيران في المنطقة انطلاقاً من لبنان، ومع الأسف الشديد، فإن الرئيس اللبناني «عون» يتفهم أهداف حزب الله، ويمنع تشكيل لجنة دولية للنظر في دور الحزب في حريق مرفأ بيروت ووفاة المئات من اللبنانيين الأبرياء، وغير ذلك من الجرائم التي تنفذها الميليشيات التابعة للحزب، ويسمح له بتنامي قوته العسكرية، والقبول بما هو عليه.
* *
إذاً هناك تدخل لصالح لبنان، وآخر لتدمير لبنان، والأغبياء من الإعلاميين والسياسيين في حزب الله والتيار الوطني الحر ما زالوا يتآمرون على لبنان، ويبيعونه بثمن بخس لإيران، مفرطين بمصالح المواطنين، وبمستقبل لبنان، دون وازع من ضمير، أو خوف من أن يكون لبنان ذات يوم مقبرتهم إذا ما اختل التوازن ذات يوم لصالح الشرفاء من اللبنانيين.