حمّاد بن حامد السالمي
*ربما ظن بعض المتابعين للشأن الإيراني مؤخرًا؛ أن رئيس الجمهورية الجديد (إبراهيم رئيسي)؛ جاء إلى سدة رئاسة الجمهورية الإسلامية في إيران؛ وهو يحمل معه مفاتيح سحرية لحل مشكلات إيران المتفاقمة على الصعيدين: الداخلي والخارجي معًا، فما إن استلم مقاليد الرئاسة بمباركة وتعميد المرشد الأكبر علي خامنئي- لا اختيار الشعب الإيراني- حتى كشّر عن أنياب حادة فوق ما كانت لسلفه حسن روحاني، الذي ضاعف من الأزمات الإيرانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فبدا وكأن خلفه (رئيسي)؛ لا يسير على النهج المتشدد نفسه فحسب؛ وإنما جاء ليبشر المواطن الإيراني المغلوب على أمره؛ بعهد جديد مليء بالتحديات والعنتريات والمواجهات، التي أقل ما يقال عنها أنها تفتقر للعقل السليم، والسياسة الإدارية، وتُظهر الحمق والعمى الذي اتسمت به الإدارة العامة في إيران مع قدوم خميني وإعلان الجمهورية قبل أكثر من أربعين سنة.
* كيف يمكن وصف سياسة وتصرفات دولة نفطية؛ تسخر ثرواتها القومية لدعم الإرهاب والمليشيات والحشود الموالية لها في عدة بلدان عربية طيلة أربعين سنة..؟ ثم تعمد إلى استعداء الدول والشعوب كافة البعيد منها والقريب، وتمارس سياسة التحدي والعناد مع كافة القوى الإقليمية والدُّولية، لا لشيء إلا لفرض السيطرة والهيمنة من منطلقات عنصرية ومذهبية لم يشهد العالم مثيلًا لها من قبل. يجوع الإيرانيون في الداخل ويعرون؛ وتطالهم يد البطش السلطوية لا يهم، ويقف العالم كله ضد هذه العنتريات الإيرانية بالمقاطعة والتهديد بالضرب لا يهم. كل ما يهم قادة الملالي المتحكمين في طهران؛ هو إيذاء الجوار العربي، ونشر الفوضى في أكثر من قطر عربي، ابتداءً من العراق؛ ثم سورية ولبنان وفلسطين ثم اليمن؛ انطلاقًا من أحقاد فارسية موغلة في الزمن، ورغبة جامحة مجنونة للانتقام من العنصر العربي، الذي تنتمي إليه قيادات تاريخية إسلامية، وصلت براية الإسلام المجيدة ذات يوم إلى أرض فارس وما وراءها من ديار.
* كان لإيران الخمينية (الملائكية)..! شيطان أكبر واحد هو الولايات المتحدة الأميركية، ولكن.. مع مرور الأيام؛ كثر شياطينها بين صغير وكبير، ومن زرق وخضر وحمر وصفر، حتى أصبحت كل دولة تقاطعها اقتصاديًا أو سياسيًا هي شيطان أكبر..! وعندما شرعت في تكثيف عملياتها وعربداتها المعهودة ضد الملاحة الدولية في الخليج العربي وخليج عمان؛ برزت لها قوى دولية تعرف كيف تصل إلى عقر دارها في مقار منشآتها النفطية، ثم النووية في نطنز وغيرها، حتى عمت الحرائق منشآت صناعية ونفطية ونووية، وسُرقت وثائق المفاعلات، وفي هذا كله؛ رسائل خطيرة ومهمة لم يفهمها الملالي الحاكمون بأمرهم في طهران حتى اليوم. إن الثورة في الأحواز العربية مؤخرًا، والمظاهرات التي تلتها في أكثر من مدينة في إيران، ليست هي آخر المشاكل التي سوف تواجه ملالي إيران على الصعيد الداخلي، ولن تكون. كما أن المقاطعة الاقتصادية الفعالة التي أحكمها العالم حول إيران؛ ليست هي آخر مواجهة لإيران مع الخارج الذي لا يمثل اليوم الشيطان الأكبر أميركا والدول الأوروبية فقط، وإنما حتى معظم الدول العربية والإسلامية، وخاصة دول الجوار المتأذية من السياسة الإيرانية القائمة على ركوب موجة المذهب الشيعي لخديعة الشيعة العرب، واستخدامهم أدوات لتفتيت البنى المذهبية والاجتماعية في بلدانهم، وتفكيك الدول القطرية، لإنشاء كيانات حاكمية تابعة لإيران وعميلة للملالي الحاكمين فيها، كما هو الحال في حزب اللات في لبنان، وجماعة الحوثي في اليمن، والمليشيات والحشود الشعبية في العراق وسورية.
* إن معاداة العرب؛ أضحت منذ تكوين دولة ملالي ايران الصفوية الحديثة؛ عقيدة وسمة من سمات هذه الدولة، الأمر الذي خلق نظرة معادية للعرب، من خلال اعتبار العربي نقيضًا للفارسي وحتى الإيراني، وهناك شواهد تترى على هذه السياسة العدوانية منها ما يتخذ شكله الثقافي، فهذا (مصطفى بادكوبه)؛ يصور أبلغ مثال على تغول الحقد الفارسي، فهو- والعياذ بالله- يشتم الذات الإلهية، ويلقي قصيدة باللغة الفارسية تحت عنوان: (إله العرب) يقول منها أما حشد في مؤسسة ثقافية حكومية في مدينة (همدان) غربي إيران مخاطبًا الله جل عز وجل: (خذني إلى أسفل السافلين أيها الإله العربي، شريطة أن لا أجد عربياً هناك)..! ثم ينعق هذا الزنديق فيقول: (أنا لست بحاجة لجنة الفردوس، لأني وليد الحب، فجنة حور العين والغلمان هدية للعرب..)! ويختم بسواد وجهه وسط تصفيق الجمهور الأخرق مثله الذي يصفه بـ (أسد الأدب الإيراني)..! فيقول: (أقسمت بك يا الهي يا رب الحب؛ أن تنقذ بلادي من البلاء العربي)..!
* في تراثنا العربي مَثل ينطبق على إيران الصفوية، التي تواجه كل العالم وهي واهية من الداخل والخارج، مثلها مثل عش العنكبوت. يقول المثل: (ثور يغبِّر على قرنه). هذا هو حال الإدارة الإيرانية اليوم، وهي تستدعي الماضي بكل أحقاده وضغائنه، وتحبك الدسائس، وتمارس العداوات ضد الكل، ولا أحد متضررًا في نهاية المطاف سوى إيران نفسها:
كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً ليِوُهِنَها
فَلَمْ يَضِرّْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ
* هذا هو الجهل الذي يعم القادة المتنفذين في طهران، حتى يُرْدوا شعوبهم، ويضروا بأنفسهم وبالكل:
وَفي الجَهلِ قَبلَ المَوتِ مَوتٌ لِأَهلِهِ
وَأَجسادُهُم قَبلَ القُبورِ قُبورُ
* تمر الأيام وتكر السنون؛ وليس في الأفق ما يبشر بعودة الوعي إلى رءوس من يتولون الشأن الإيراني، ولكن حتام تبقى الشعوب الإيرانية أسيرة لهذا التخلف والجهل والعنتريات المقيتة:
وليسَ لِمَنْ يَرْكَبِ الهَوْلَ بُغْية
وليس لرحلٍ حطَّه الله حاملُ
إذا أنتَ لم تُقْصِرْ عن الجَهْلِ والخَنَا
أصبتَ حليمًا أو أصابكَ جاهلُ