عبدالوهاب الفايز
في العالم العربي ثمة من يترقب بحذر وخوف تطور الأوضاع في أفغانستان استعداداً لمواجهة الآثار السلبية على الأمن القومي العربي. لقد عانت المنطقة من تطبيقات إستراتيجية الهيمنة والنفوذ الأمريكية لعقود طويلة، سواء دروس التدخل في شؤون المنطقة رأيناه في استثمار الثورة الإيرانية والحركات الإسلامية المختلفة، بالذات المعادية للشيوعية، لمحاصرة الاتحاد السوفييتي وإنهاكه في حدوده مع إيران وأفغانستان.
كانت المقاومة الأفغانية مشروع استنزاف للاتحاد السوفيتي أدت لسقوطه. واستخدم المشروع الصهيوني في الشرق الأوسط الثورة الإيرانية لخدمة أمن إسرائيل وتسريع تفوقها العسكري والاقتصادي عبر إضعاف الأمن القومي العربي، بالذات تدمير الدولة في العراق وسوريا، وإشغال مصر بمشاكل السودان وسد النهضة، والآن نرى نشوة الانتصار الإسرائيلي السياسي والاقتصادي بعد نجاح تفكيك المنطقة وتدجينها ثقافياً وفكرياً لتكون أسيرة المعسكر الغربي ومصالحه!
في العالم العربي هناك تخوف من تجدد دورة الصراع في أفغانستان. فطالبان التي كانت في العقدين الماضيين عدوة أمريكا، الآن نراها تجني ثمن الهروب الأمربكي الغامض الغريب الذي ترك فراغاً في القوة، وترك لها أسلحة تصل قيمتها إلى مئة مليار دولار، وهناك من فسر هذا الهروب المبرمج على أنه جزء من خطط إستراتيجية في حروب واشنطن المستقبلية مع الصين وروسيا.
نتخوف من تطور الأوضاع والصراعات الدولية القريبة منا، ومن الحرب الباردة القادمة، لأن الدول العظمى في النظام الدولي تكون أكثر خطورة في صعودها أو هبوطها. وهناك من يبدي المخاوف من السياسات الأمريكية القادمة لاعتبارات سياسية داخلية أمريكية خصوصا مع دخول أمريكا في دورة جديدة للتاريخ الأمريكي. فطبقًا لنظيره المؤرِّخ الأمريكي آرثر إم شليزنجر، التاريخ الأمريكي يمر بدورات تتناوب كل ثلاثين عاماً، حيث تسيطر في كل دورة حالة معينة على المجتمع الأمريكي وتؤثِّر على أوضاعه الداخلية وسياسته الخارجية، ويضعها في معسكرين وتوجهين فكريين، محافظ أو ليبرالي. المفارقة المخيفة الآن، ونحن في بداية دورة جديدة، إن الداخل الأمريكي يعاني من حدة الاستقطاب وتعدد ألوان الطيف السياسي، وغياب رجال الدولة التقليديين.. وهذه تضع حلفاء وأصدقاء أمريكا في مأزق مع القوة الأمريكية التي قد تكون طائشة مدمرة في أية لحظة!
أسوأ التطبيقات الطائشة للسياسة الأمريكية في المنطقة رأيناها في احتلال العراق وتسليمه لإيران. الآن الشعب العراقي يكتشف بعد عشرين عاماً النتيجة المدمرة التي ترتبت على عبث إيران بالمواقف السياسية والطائفية وممارسة كل أنواع الغطرسة والإرهاب لبناء تحالفاتها ومصالحها. في العشرين عامًا الماضية تحالفت غالبية القوى السياسية مع المحتل الإيراني والأمريكي لنهب ثروات العراق، ولم تستثمر في مشاريع الكهرباء والمياه والمستشفيات والمدارس التي يحتاجها الناس، وإنما استثمرت في بناء الجماعات الإرهابية وجماعات الحشد الشعبي التي أصبحت دولة داخل الدولة!
لقد عانى العراق من حرب طويلة فرضها عليه الخميني. فبعد مرور عام على الثورة وبعد إنجاز تقسيم الشعب الإيراني وإطلاق مشروع ولاية الفقيه والقضاء على القوى السياسية المختلفة التي كانت قوة كبيرة في إيران، سعى الخميني للحرب مع العراق عبر تدبير الاغتيالات والتفجيرات داخل العراق، وعبر دفع صدام للاصطدام مع المرجعيات الشيعية العراقية. والخميني كان يسعى لحرب خارجية ضرورية ينتظرها، وعندما بدأ صدام الحرب قال الخميني: هذه (هبة من السماء)، فقد أعطته العذر لكي يصفي جميع معارضيه من سياسيين ومفكرين ومثقفين ورجال دين، كما كانت الحرب مشروعا اقتصاديا خبيثا لاستيعاب العاطلين من الطبقة الوسطى، الذين ناصروه، عبر إرسال الآلاف منهم إلى جبهات الحرب المقدسة.
المنطقة مثقلة بتبعات مشروع الخميني المدمر، وما تحتاجه هو الخروج من حالة الصراع المستمر منذ ثلاثين عاما إلى حقبة للسلام والأمن والاستقرار.
بلادنا في العقود الماضية تحملت الكثير في سبيل استقرار المنطقة وسلامة شعوبها، والأهم حمت مصالح شعبها، وبالحكمة وبحسن التدبير جنبته المشاكل والخلافات. والحمد لله أننا انشغلنا بالتعمير وبالبناء وبالتطلع للمستقبل. لذا من حقنا التدبر والخوف والحذر مما يجري حولنا.