د. محمد عبدالله الخازم
هناك اهتمام بالبحث العلمي والابتكار والاختراع، نراه في تطوير مظلة تشريعية وتنظيمية حديثة تتمثَّل في هيئة الابتكار والبحث العلمي، ودخول التصنيفات العالمية للجامعات وأغلبها يستند على حجم البحث العلمي، وتطوير ريادة الأعمال والتقنيات المختلفة وغيرها. في خضم هذا الحراك، والأماني بمستقبل أفضل للبحث والابتكار، أثير عناوين للنقاش والأخذ في الحسبان من قبل المشرِّع والمراقب والمنفذ في هذا المجال.
أولى الملاحظات تتعلَّق بأهمية تحليل الأرقام بشكل علمي يقيس الكفاءة وليس مجرد ذكر الأرقام (الخام) الخادعة. مثال، قياس كفاءة المؤسسات البحثية وكفاءة الباحثين والوصول إلى أرقام مقارنة تبيِّن معدلات النشر والبحث والدعم المفترضة. آخر إعلانات وزارة التعليم تشير إلى 33 ألف بحث تم نشرها - سنوياً كما يبدو- لكن إذا ما علمنا أن عدد أعضاء هيئة التدريس يتجاوز 80 ألف عضو هيئة تدريس بالجامعات السعودية يُضاف لهم أكثر من 20 ألف طالب دراسات عليا والباحثين في المؤسسات البحثية المستقلة تكون الكفاءة الإنتاجية للباحث السعودي وللمؤسسة البحثية محل تساؤل. هذه أحد مخاطر التصنيفات التي (تلهينا) عن قياس الكفاءة والجودة والجدوى!
الملاحظة الثانية التي تستحق النقاش تتعلَّق بالقيم الأخلاقية والأدبية ذات العلاقة بالبحث العلمي. هي ظاهرة عالمية وجود التجاوز في مجال أخلاقيات البحوث، لكن السؤال هو عن حجمها ومدى تأثيرها على مصداقية البحث محلياً؟ أخلاقيات البحوث مصطلح متعارف عليه يتعلَّق بالالتزام بالمعايير العلمية للبحث والنشر والملكية الفكرية والحصول على الدعم ومدى حوكمة البحث العلمي ودقة معلومات النشر والوفاء بحقوق الباحثين ومنهم الصغار كالطلاب وحجم المجاملات والاختراقات في اللجان والمجالس البحثية والعلمية ... إلخ. الرصد لهذه الظواهر محدود محلياً ويصعب نشره بوضوح لدى جامعاتنا ومؤسساتنا البحثية، كأمر يُعزى لطبيعتنا الإدارية والاجتماعية. ليس من حقي إطلاق الأحكام دون مرجعية علمية، لكن البعض يرى بأن أحد مسببات تردد بعض جهات الأعمال والتمويل في دعم والاعتماد على البحث المحلي له علاقة بالثقة في مصداقيته ودقته. أعتقد أنه يجب علينا دعم الدراسات ذات العلاقة بهذا الشأن وتطوير آليات الشفافية والمكاشفة حول الالتزام بأخلاقيات البحوث وكذلك تكوين مرجعية ذات مصداقية للنزاهة البحثية. نريد أن نستشهد بالبحث العلمي السعودي وكلنا ثقة بمصداقيته وجودته.
الملاحظة الثالثة تتعلَّق بموائمة البحث مع رؤيتنا الحضارية، فعلى سبيل المثال، تتجه المملكة نحو ردم الفجوة بين الجنسين في قضايا التوظيف والحقوق والمناصب وغير ذلك، فهل نفعل ذلك في البحث العلمي؟ نقص الأوراق العلمية المنشورة من قبل النساء وتأخر ترقيات عضوات هيئة التدريس ببعض الجامعات مقارنة بالأعضاء الرجال هل له علاقة بالتمييز في مجال دعم البحث العلمي وفي تمكين المرأة في مجال البحث العلمي، أم أنه أمر طبيعي نسبة لأعدادهن؟ أيضاً رؤيتنا الحضارية تتعلَّق بالعدالة في توزيع الموارد والتمكين، فهل يحدث ذلك في مجال البحث العلمي أم تستأثر مؤسسات/ أفراد/ مجموعات بحثية بدعم أكبر من غيرها، دون مبرر علمي واضح وعادل؟
تذكَّروا، أنا هنا ناقد أطرح تساؤلات للنقاش والدراسة!