منال الحصيني
تبدو جملة ساخرة حينما نقرؤها.. فلا عجب فيما تختزله عقولنا عن مفهوم البدائية باعتبارها حياة تقوم على الاكتفاء الذاتي وبساطة الطموحات والاقتصار على الحد الأدنى من متطلبات الحياة، هي أشبه ما تكون بحياة «طفولية»، لكن ماذا عن تلك الأرواح البدائية التي تعايشت مع مفردات الحياة ولم تكترث بطوفان الحياة حينما عبث بها ما طاب له العبث، حتى ألقى بها في الأعماق وأبت الغرق، فحبست أنفاسها لتطفو وتلتقط ما بعثره الطوفان «من أشلائها».
هي أرواح تُحسن السباحة في محيط العلاقات المتلاطم. تؤمن أن الحياة سهلة بسيطة ونحن من نعقدها. أرواح حينما تشتاق، بكل بساطة لتقول «اشتقت إليك» وإن ضايقها أحدهم همست بأذنه «ابتعد قليلا». تعي معنى أن العمر أقصر من أن نضيعه في دهاليز غموض النوايا والمقاصد غير الواضحة.
هي أرواح شفافة، بعيدة كل البعد عن جلد الذات فتحلّت بالموضوعية تحترم الخصوصية وتفهم المسافات بينها وبين الآخر، عرفت حقوق الصداقة وما عليها من واجبات. فهمت أن الخطأ تركيبة إنسانية عميقة جُبل عليها البشر وعليها فانون، سعت تلك الأرواح البدائية الجميلة في ستر عيوبها ولم تدع نقاء ليس فيها.
أحبت ما تمتلك حتى أصبحت أغنى أهل الأرض، وأقرت بأن اكتفاءها وما مُنع عنها هو فائض عن حاجتها، وأن العبرة بالبركة لا بالكثرة. قاومت تيار المروجين للأرواح الشريرة التي شوّهت وجه الحياة الناصع فهم لا يرون منها إلا أسوأ ما فيها
ولم تكترث لشعاراتهم التي قدموها لنا بلون شاحب رمادي مضلِل، سلبوها ألوانها، فمتى كانت «المثالية» تظاهر و»الوفاء» غباء و»الطيبة» سذاجة و»العطاء» نقص.
أحببت تلك الأرواح وكم أتوق بأن أتحلى ببدائيتها.. فهي تؤمن بأن كل يوم جديد هو فصل آخر من فصول حياتك وفرصة أخرى لتغيير نفسك، شعارها «صباح لا يأتي بجديد هو أمس مكرر».