زكية إبراهيم الحجي
بطبيعتنا نحن البشر لدينا وبشكل متفاوت شغف التملّك دون أن نستشعر المعنى الحقيقي لقيمة ما نملك ودون تقدير وامتنان لما بين يدينا من نعم.. ابتعدنا كثيراً عن ذواتنا وانحصر مفهوم السعادة في أشياء لا نملكها أو تلك التي لم نستطع الحصول عليها تحت أي ظرف كان ودون أدنى مبالغة إن فقد أحدهم بوصلته وهو يسعى جاهداً وراء أشياء يعتقد بأنها قادرة على منحه السعادة والشعور بالامتنان فإذا نالها سرعان ما تصبح بلا قيمة كغيرها من الأشياء الروتينية التي نسعد ونمتن لها لحظة حصولنا عليها وبعد فترة ننظر لها بعين النقص لا بعين الرضا.
نحن نعيش في عالم استمرأ تشتيت أذهاننا وولّد حالة من عدم الرضا على ما أصاب الإنسانية من فتن وصراعات وحروب ودمار ونتيجة لذلك ارتفعت بين البشر معدلات الاكتئاب والقلق وأمراض العصر وباتت الأغلبية لا ترى إلا النصف الفارغ من الكوب بمعنى يعيشون في الفجوة يندمون على ما لا يفعلونه أكثر من ندمهم على ما فعلوه، وأبسط مثال على ذلك انزعاج زوجة ما من نسيان زوجها لبعض الأغراض التي طلبتها وفي ذات الوقت لا تنظر بعين الشكر والامتنان للوردة التي أحضرها لها وهو في طريقه، بل ربما تلومه بأنه تنبه لأمر تافه ونسي المهم.. أمثلة لا حصر لها وتصب في جميع المجالات لتشكِّل حالة من عدم الرضا وبالتالي يتولَّد الشعور بعدم الامتنان لكل جميل غلَّف حياتنا ولو للحظات.. الشكر والامتنان ثقافة وفن.. قوة جذب وسلوك حضاري راق إذا تمت ممارسته قولاً وفعلاً وهو أسهل طريق للوصول إلى ما نطمح إليه.. بالشكر والامتنان نكسب ثقة الآخرين ونكسب المزيد من العلاقات الناجحة.. ولا أزال أتذكر الكثير من العبارات والصور العفوية التي شعرت فيها بمدى عمق الامتنان والاعتراف بالجميل لدى كثير من الناس الذين لم يتوقفوا يوماً عن العطاء والدعم مهما كانت ظروفهم ومهما كان حجم أزماتهم ومع ذلك قلوبهم تفيض امتناناً وسعادة.
الشعور بالامتنان والتعبير عنه بعفوية وصدق تجاه الآخرين أو تجاه ما نملكه مهما كان بسيطاً يبعث في الروح الدفء والسعادة.. والسعادة أن نعيش اللحظة بعمقها ونمتن لذلك العمق الجميل.. فقط نحن نحتاج إلى ألا نتطلع إلى ما ليس لدينا وأن نتذكر أن ما نملكه اليوم كان من قبل حلماً نتمنى الحصول عليه.. علينا أن ننظر دائماً وأبداً إلى النصف الممتلئ من الكأس كي ينعكس ذلك السلوك الأخلاقي الجميل على أبنائنا وأطفالنا فثقافة الامتنان تعلمنا الاحتفاء باللحظة التي نعيشها بكل ما نملكه وما لا نملكه.