د. عبدالحق عزوزي
.أصبح الوضع في أفغانستان كارثياً والصور التي تتناقلها وسائل الإعلام الدولية من مطار كابل وامتطاء الآلاف من الأفغان عجلات وأبواب الطائرات للفرار من حكم طالبان شبيهة بمسلسل هوليودي من وحي الخيال لم ينجز بعد في تاريخ الأفلام والمسلسلات... السؤالان الطبيعيان المطروحان هنا: من الرابح ومن الخاسر فيما يجري اليوم في أفغانستان؟
- فالخاسرون هم:
- الأفغان أنفسهم؛ خصوصاً أولئك الذين عملوا مع القوى الدولية أو المؤسسات التابعة لها، ونرى في وسائل الإعلام الدولية لحظات الانتظار الطويلة والمريرة للعديد منهم أمام بوابات مطار كابول..
- كما أن الأزمة في أفغانستان تؤشر على الصعوبات التي يواجهها الرئيس الأميركي فيما يتعلق بسياسته الخارجية، بعد سبعة أشهر على وصوله إلى البيت الأبيض؛ فحصيلة الرئيس بايدن تبدو محتشمة مع إيران كما أن خصومته مع بكين تؤثر على علاقته مع الأوروبيين... ثم إن المنطق كان يستوجب إجلاء المدنيين وأسرهم ثم الموظفين الحكوميين يليهم الجنود في نهاية المطاف غير أن واشنطن قامت بالعكس، نظراً لرغبتها في طي صفحة الحرب في أفغانستان... كما أن الولايات المتحدة لم تستشر حتى حلفائها الأوروبيين، هؤلاء الذين وصفوا الانسحاب الأميركي من أفغانستان بـ «الانتكاسة الكبرى». وفي أمريكا نفسها فقد أكدت استطلاعات قامت بها «هاريس للأبحاث»، فإن نصف الأمريكيين يرفضون طريقة الانسحاب من أفغانستان، كما أن 57 % من الأمريكيين يعتبرون أن بلادهم لم تقم بما يلزم للإجلاء قبل سيطرة طالبان.
- ثم إن انسحاب أمريكا الأخير من «أفغانستان» سيعيد صياغة السياسات الخارجية الأمريكية، كما أن سيطرة طالبان السريعة على أفغانستان وانهيار البلاد بعد خروج أمريكا، سيُجر أقدام الإدارة الأمريكية الحالية والإدارات المستقبلية إلى مرحلة جديدة من الحروب والتدخّلات في مختلف مناطق العالم.
- الدولة الأفغانية وهي صعبة للحكم بسبب تداخل عدة عوامل.
- مع استمرار تداعيات ما يحصل في أفغانستان، أدخل زعماء الاتحاد الأوروبي أنفسهم في «حالة جنون» حيال مخاطر تكرار سيناريو أزمة اللاجئين السوريين عام 2015 ، حين سعى 1.2 مليون لاجئ إلى الحصول على حق اللجوء السياسي داخل الاتحاد الأوروبي، مما أثار معارضةً سياسية استندت إلى التهديد المفترض الذي يمثله أولئك المهاجرون.
أما الرابحون فهم:
- طالبان أولاً. فالحركة تخطط لتشكيل جيش أفغاني جديد يضم أكثر من 200 ألف مقاتل، من أفراد الحركة ومن الجيش الأفغاني. ولا غرو أن الجيش الجديد سيزود بالسلاح والمعدات الأمريكية التي سيطرت عليها الحركة، والتي تشمل أكثر من 200 ألف مركبة مدرعة و 40 طائرة مقاتلة وعشرات الآلاف من بندقيات ورشاشات أمريكية؛ كما أن طالبان تسعى للعثور على الأسلحة الأمريكية الأخرى التي لم تسيطر عليها إلى الآن.
- سيطرة طالبان على كابول ستدفع المجاهدين للالتحاق بالحركات المتطرفة في أفغانستان بدلاً من سوريا والعراق.
- كما أن هاته الحركات المتطرفة ستتقوى أكثر فأكثر بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية -ولاية خراسان.. وخراسان هو الاسم القديم الذي يطلق على منطقة تضم أجزاء من أفغانستان الحالية وباكستان وإيران وآسيا الوسطى. كما أنشئ تنظيم «الدولة الإسلامية-ولاية خراسان» أول منفذ له في أفغانستان عام 2015 في منطقة أشين الجبلية، في مقاطعة ننغارهار شرقي البلاد، وهي الوحيدة التي تمكنت من إقامة وجود ثابت فيها.
- دول مثل الصين وتركيا وإيران؛ حيث أكد سهيل شاهين، المتحدث باسم طالبان أن الصين وتركيا سيكونان الشريكين الرئيسيين في إعمار أفغانستان.
- كما أن «طالبان» أصبحت تشكّل مصدرًا رئيسيًا لإيران للحصول على الدولار الأمريكي الذي حرمت منه بسبب العقوبات، في مقابل تصديرها للنفط الذي تحتاج إليه الحركة؛ ويرى تجار في طهران ومسؤولون أمريكيون سابقون بأن إيران استأنفت مؤخراً تصدير الوقود إلى أفغانستان.. والنتيجة أن العلاقة التجارية المزدهرة بين طهران و»طالبان» ستهدد لا محالة بتقويض حملات الضغط الأمريكية الرئيسية ضد الطرفين.
وختاماً فإن الذي أخافه كما نقلته مجلة «فورين بوليسي» أن يأتي الدور على العراقيين بعد انهيار أفغانستان وسقوطها في أيدي طالبان، عقب الانسحاب الأمريكي، فالعراق حسب بعض المتتبعين يمكن أن يتجه نحو المسار الأفغاني؛ إذا لم يتم ضبط العلاقات مع واشنطن عن طريق الحفاظ على الدور الأمريكي في مكافحة الإرهاب، ومنع إيران من تنفيذ مخطط تدمير العلاقات الأمريكية العراقية.