تناول الدكتور أحمد الدبيان، في مقاله المعنون «تحدي عولة التقنية للهوية الوطنية» بجريدة الجزيرة في عددها 17733 الصادرة يوم السبت 25 يونيو 2021، الهوية الوطنية في عصر الثورة الرقمية.
وقد ذكر الدكتور أن «مفهوم الدولة نفسه قد لا يكون متماسكاً في المستقبل كما نعرفه» بسبب سهولة التواصل التي أنتجت عولمة الثقافة.
وهنا سأرد على الدكتور الكريم بالتأكيد على نقطة إننا نعيش في عالم متداخل ولا يمكن أن نعزل أنفسنا عن الآخر. لذلك فإن العمل على تطوير مهارة التواصل الثقافي أصبح حاجةً ملحةً ولم تعد ترفاً بسبب التغيرات التي تحدث في المجتمعات إما بسبب التجارة أو السفر أو الهجرة وكل أشكال التقنية الحديثة.
تعرضت فكرة المواطنة العالمية للنقد من قبل الكثيرين ولكل وجهة نظره، فمن منتقديها على سبيل المثال الفيلسوف والمحلِّل النفسي سلافوي جيجك الذي، ومن حيث لا يدرك، يقسم البشر إلى طبقات. فهو يرى أن المواطنة العالمية تُلغي الفوارق بين البشر. فبذلك هو يعزِّز فكرة العنصرية وتفوّق مجموعة من البشر على آخرين.
وبذلك فإن فكرة المواطنة العالمية تعددت تعريفاتها لأن كل باحث ومختص ينظر إليها من زاوية وبخلفية مختلفة. المواطن العالمي مصطلح يطلق على كل من يتعرّض لدرجة عالية من التنوّع الثقافي والانفتاح عليه والقبول بالتعددية الثقافية ما ينمي لديه رؤية متعددة الثقافات ويثري وجهة نظرة ويسهل التواصل الثقافي ويعزِّز الروابط الإنسانية. ففكرة المواطنة العالمية لا تذيب صورة الوطن ولا تعني أبداً أن ذلك الشخص يتخلَّى عن ثقافته وعاداته وتقاليد مجتمعه ويتخلص من ولائه لدولته والروابط الأسرية، بل زاد على ذلك ناشط السلام نهات هانه بأن المواطنة العالمية هي تعبير الأفراد عن التسامح تجاه التنوع الثقافي وفهم الآخرين الذين يختلفون بطبيعتهم عنهم. فالمواطنة العالمية ليست قضية تناسخ الثقافات، بل هي مجرد القبول بالتعايش مع الآخر المختلف ثقافياً.
المواطنة العالمية لا تؤدي إلى الانتماء إلى ثقافة أخرى أو مجتمع آخر، بل على العكس من ذلك نجد أنها لا تنقض الهوية الثقافية ولا تعيق الالتزامات الوطنية، فبحسب دراسة قام بها الدكتور بيرم في عام 2018 خلص إلى أنه لا يوجد تعارض بين كون الشخص مواطناً عالمياً وهويته الوطنية، بل ذكر الدكتور بيرم أن من يتصف بأنهم مواطنون عالميون لديهم هوية متكاملة ومتوافقة مع هويتهم الوطنية وأنهم على استعداد بالتضحية في سبيل تحقيق مصالح بلدانهم والدفاع عنها.
بذلك نجد أن المواطنة العالمية ترفع من معدلات التسامح من جانب الفروقات الثقافية والاحترام المشترك بين المختلفين ثقافياً. ودور المؤسسات الوطنية هو تعزيز الوعي الثقافي والفهم للآخر وإعداد الأشخاص ذوي المهارات للمشاركة والقيادة واتخاذ المبادرات لمساعدة العالم على التفاعل معًا بنجاح وبناء شبكة من الأفراد الأكفاء في التواصل بين الثقافات ومساعدتهم على التعرّف على تأثير الثقافة على القيم واتخاذ القرارات، وتحسين القدرة على فهم أنفسهم بشكل أفضل من خلال فهم الآخرين، وتحدى الصور النمطية عن الآخر، وزيادة مستوى التسامح من حيث الاختلافات الثقافية، وتوسيع وجهات نظرهم حول القضايا الدولية، واكتساب الفهم اللازم حول كيفية التواصل بشكل فعّال ومناسب مع الآخر المختلف ثقافياً. وكل ذلك يكون من خلال التعليم الثقافي عن طريق المدارس والجامعات بمساعدتها على تقديم برامج فعَّالة للتعليم الثقافي تعزِّز كفاءة الطلاب وفهمهم للآخر ثقافياً وليكونوا سفراء لثقافتنا. بالإضافة إلى دور وزارة الثقافة المهم في إنشاء مركز تدريب ثقافي يمنح المتدربين المهارات التي يحتاجون إليها لفهم المبادئ والقيم الثقافية التي يرتكز عليها الآخر عند اتخاذهم للقرار، وأنماط التواصل الثقافي، ومهارات التعامل مع المنتمين لثقافات أخرى، ولتطوير أفراد مؤهلين ثقافيًا لمساعدة الناس على فهم بعضهم البعض. وليصبحوا أيضاً رافداً من روافد القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية يكون لديهم قنوات تواصل متعدِّدة لعرض صورتها الصحيحة وللدفاع عن وطنهم ومصالحة.
فبحكم عملي في مجال التدريب الثقافي، حيث أقوم بتدريب أشخاص من ثقافات أخرى ينوون العمل أو عقد صفقات في المملكة العربية السعودية، أستطيع القول إننا لسنا متواجدين بشكل كاف على الساحة الثقافية الدولية لتصحيح الصورة النمطية وأنه يوجد غياب للمعلومة الثقافية من حيث عاداتنا وتقاليدنا وكذلك لدينا ندرة في المختصين في هذا مجال التدريب الثقافي. فكما ذكر سعادة الدكتور سعود كاتب «عندما نخفي وجهنا يرسمه الآخر كما يشاء». لا ينبغي علينا أن نعزل أنفسنا وألاّ نبرز ثقافتنا الأصيلة، النابعة من تعاليم ديننا السمح، للآخر.
** **
د. فارس سلين اللحياني - دكتوراه في التواصل الثقافي، مدرب ومستشار ثقافي