«اثنان»
عنوان بيتين للشاعر الأستاذ الدكتور: عبد الله الرشيد (مَثْنَوِيّات- صحيفة الجزيرة/ 17ديسمبر 2016م):
أمي كهاجرَ بين مروة حبّها
وصَفا الحنانِ تحوطُني تدليلا
تسعى لتنبثق الأماني زمزمًا
لكنني ما كنتُ إسماعيلا
إنَّ نشر المقطوعات الشعرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك الومضات الأدبية أصبحت هدفًا نبيلاً لكثير من الشعراء والأدباء والشاعرات، لتعميق ذائقة التلقي الإبداعي، وقفتُ عند هذه الومضة الشعرية التي تحاكي حب كلٍ منّا وكل إنسان لأمه، فالشاعر عبد الله بن سليم الرشيد رسم صورة تحيلنا إلى المُقدّس في العلاقات والعبادات تثير التأمل وتغرس الحنان في نفس المتلقي.
ولأني درست في رسالتي للدكتوراه شعراء المملكة المعاصرين، فقد تأملت كثيرًا شعر الأستاذ الدكتور الرشيد لنسق الدراسة، أما هنا فأنا مجرد متلقية لومضة من ومضاته الشاعرة المكثفة التي تصور علاقة مقدسة بين الشاعر وأمه وكذلك بين كلِّ قارئ وإنسان وأمه.
فربما يكون الدافع تربويًا اجتماعيًا أخلاقيًا عامًا، وربما يكون دافع الدكتور الرشيد خاصًا ولكن الومضة لا يمر عليها قارئ إلا ولا بد أن يطيل التأمل.
فالجملة الأولى (أمي كهاجرَ) اسمية تشبيهية بسيطة التركيب، ولكنها تسحبنا إلى أعماق في قلب تاريخ الجزيرة العربية، إلى قلب هاجر -عليها السلام- أم العرب المصرية. فهل أراد الشاعر الرشيد مجرد التشبيه؟ أم أراد أن يرحل بالعرب المعاصرين إلى أصلاب الأمم، ويؤصل الدم العربي في نبوة مقدسة لزوجة نبي وأم نبي في قلب الجزيرة العربية؟
ففي الوقت الذي يشبه أمّه بهاجر –عليها السلام- يتراجع عن تشبيه نفسه بإسماعيل – عليه السلام- تواضعًا أمام أمّه وهاجر وإسماعيل –عليهما السلام- ولكنّه يؤكد الانتساب المقدّس إلى طهارة التوحيد في بقاع مباركة رسمت الأقدار فيها نظام عبادة (الحج المبارك) على علاقة طاهرة الأصل بين أمٍّ وطفلها الرضيع ظامئ إلى الماء في أرض جدباء فيفجر الله –تعالى- تحت قدميه زمزم، وصوّر الشاعر بتراسل الحواس في بيته الثاني الأماني التي تدرك بالعقل والقلب كأنّها ماء زمزم؛ تأكيدًا على طهارة العلاقة بين الأم ووليدها والطفل وحاجاته البريئة كالطعام والشراب والحب والحنان، فهذان البيتان ومضة تجمع بين تاريخ الإنسانية والتوحيد، وتأصيل المقدس في علاقاته المستمرة في كل زمان ومكان بين الأمومة والطفولة.
** **
- د. فاطمة عويض المطيري