د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** كانت الصحفُ الحائطية - وهي ورقٌ مقوى مقاسُ الواحدة في العادة 100*70 سم- مَنفذَنا لتجربة إمكاناتنا التحريرية والكتابية في مراحل الدراسة العامة وفي المركز الصيفي.
** وإذا تجاوزنا المرحلة الابتدائية التي لم تُعنَ كثيرًا بهذه الصحف فاستبدَلت بها «حكمة اليوم وإذاعة الصباح والحفل الختامي» فقد اجتهد بعضُنا خلال المرحلتين المتوسطة والثانوية لتقديم عمل نوعيٍ لم يقتصر على المقالات الإنشائية والمختارات المنقولة بل ضم موادَّ ميدانيةً متمثلةً في تحقيقاتٍ وحواراتٍ خفيفةٍ مع بعض مسؤولي ورموز المدينة، وكنا نجتهد في طلب صور شخصية منهم مقلدّين الصحفَ الرسمية، ويذكر منهم الطبيب الشهير «محمد كمال الحاج عبد» غفر الله له، والشاعر القدير الأستاذ «إبراهيم الدامغ» الذي اعتذر بلطف عن إعطائنا صورته، وكتب بيتين يذكر صاحبُكم الأولَ منهما وشطر الثاني:
صورتي مرسمُ لحظي فابتعدْ عنِّي وعنها
إن من يهوى المعيدي..
ويمكن تخيلُ بقيته استقاءً من المثل الذائع: «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه»، رحم الله أبا محمد؛ فقد كان اعتذارًا شاعريًا أسكت رغبتنا، ولم تكن لدينا محركاتُ بحثٍ شبكيةٌ كي نبلغ مرادَنا ولو خالفنا مراده.
** وظلَّ أستاذنا الكبير عبدالرحمن الصالح العليان، مدير التعليم آنذاك، الثابتَ في حواراتنا كلَّ صيف؛ فكان يستقبلنا في مكتبه بحفاوته وعبارته الودودة: (هلا يبه)، ويجيب عن أسئلتنا بقلم ذي حبرٍ أخضر، ولا ينسى يوم بحث عنه الأستاذ في صفوف الطلبة المصطفين لاستقبال الملك فيصل -رحمه الله، وأركبه في سيارته كي يتهيّأ لتقديم حفل الأهالي لو قرر الملكُ الوقوف ولم يقف، ولعلنا نرى كتابًا يوثق سيرته الممتدة قرنًا، أمد الله في عمره.
** أما في الإذاعة والمسرح المسمى «النادي» فمِن موجهينا فيهما وقت الدراسة بالمعهد العلمي: الشيخ محمد العثيمين والأستاذ عبدالرحمن التركي -رحمهما الله، وكنَّا نُطلعُهما على نصوص المواد التي سنقدمُها في الإذاعة والنادي فيبديان إعجابَهما أو ملاحظاتهما مع إجازة المادة كاملةً أو بعضٍ منها، ويستعيدُ دهشة الشيخ العثيمين من بعض الفقرات التي قدّمها الصبيُّ له استقاءً من كتب تراثية، فقال له: ما شاء الله عليك، وردَّ فورًا دون تفكير من باب ألا جهد له سوى النقل: «مهوب ماشا الله»، فأجاب الشيخ بإنكار تربويّ: وشُّو ؟! فقد جاء التواضع في غير موقعه، وإذْ أدرك الصبيُّ سبقَ لسانه أوضح قصده، وتداولنا طرفةً لطيفة حين تجلى أحدنا عبر إذاعة المعهد بصوتٍ «لندني»: «سيداتي.. آنساتي.. سادتي»!
** أما في إذاعة المركز الصيفي «الصباحية والمسائية» فقد برزت جهود المعلمين ومديري المركز، ويذكر منهم - في الإدارة والشأن الثقافي - الأساتذة: عبدالله العرفج، عقلا العقلا، عبدالله الزيد الفرّة، عبدالعزيز القبيّل، محمد نور الدين حسن، محمد بن عبدالمحسن المدلج، سليمان البادي، عبدالله الهطلاني، صالح الرميح، محمد الإبراهيم السويّل، وآخرين. ولن ينسى الأستاذ عبدالله المخيمر المصور في تلفزيون القصيم الذي أجلسه على مقعد المذيع وقت زيارة طلبة المركز لمبنى المحطة، وعاد مزهوًا بتجربته، وكانت لدينا مجلة سنوية مطبوعة بنظام «الاستنسل» ينسخها أستاذ فاضل من أسرة العليان يضعُ رمزه على الصفحات:(عسى).
** لم يقصدوا تعليمنا الإعلام لكنهم رسمُوا لنا خططًا ومشَوا معنا خطوات؛ رحم الله من قضَى وحفظ من بقِي، ومعذرةً من فرسان الأنشطة الأخرى؛ إذ ما عهد نفسَه رياضيًا ولا مسرحيًا ولا رسامًا فأراحهم من جهله وحفظ لهم فضلَهم.
** لا تستهينُوا بالبدايات.