هيجل من أهم فلاسفة تكوين الدولة بمفهومها الحديث، لذا فإنه يعيد فلسفته إلى إمكان الحق المطلق، والمطلق لا يكون ذاتياً بمعزل عن الآخرين والموضوع، والدولة هي أهم ما يمثّل هذا الآخر والقانون، وعليه فإن هيجل يعطي التأسيس الأخلاقي الديالكتيكي للدولة، وليس للفرد، لأن الفرد جزئي وليس كلياً، والحق لا يكون حقاً مطلقًا حتى يصبح كلي، لذا فهو يقول في كتابه أصول فلسفة الحق -وهو يناقش الأخلاق الذاتية-: «نجد الدولة بوصفها تموضعاً لمفهوم العقل أن المسؤولية القانونية لا يمكن أن ترتبط بما يعتنقه الفرد أو لا يعتنقه طبقاً لعقله الخاص أو طبقاً لتقديره الذاتي لما هو عدل أو ظلم أو خير أو شر أو طبقاً للمتطلبات التي يقدمها المرء لإشباع اقتناعه الخاص»، فالدولة عنده هي التموضع الذي يعود إليه مفهوم العقل قانونيًا، وهذا ما يرتبط بسيادة القانون في نقاش فلسفة السياسة دائماً.
ومن هنا نجد هيجل يوجّه نقده كثيراً إلى كانط في عزله (الشيء في ذاته) كفينوم/كظاهرة مستقلة لا يمكن تحقيق الحق فيها، ولا يمكن معرفة موضوعها، ومنه قوله عن كانط: «ومن هنا كانت أقوال مثل: (ليس في استطاعة الإنسان أن يعرف الحقيقة وإنما ينبغي عليه فقط أن يسير طبقاً للمظاهر وحدها) ... هي معتقدات تحرم الروح من كل قيمة وكرامة لا فقط عقلية، بل وأخلاقية أيضاً»، لأن الأخلاق المطلقة لا تتحقق بالذاتي عند هيجل بينما عند كانط (فعل الواجب) يعود إلى الذات، بينما هيجل يدخل هذه الذات في ديالكتك مع الدولة فينتج عنه ما يسميه (الروح المطلق).
ولعل لقاح كورونا يحقق فلسفة هيجل في تقديم الأخلاق المطلقة الكلية على الذات الجزئية الفردية، لأن اللقاح سيكون نفعه أكثر للجميع، بينما فكرة الحرية كذات مستقلة تمتنع عن التلقيح فهو فعل لم يتحقق بديالكتك هيجل القائم على الآخر، فالممتنع هنا يعتمد قراره الذاتي الأخلاقي في الامتناع، بينما فإن اللقاح سيحقق أخلاقية كلية مطلقة للرفاه والنفعية للآخرين أيضاً، فالممتنع هنا يعتمد (فعل الواجب) الكانطي بينما المقر باللقاح يعتمد ديالكتك هيجل في تكوين الخير المطلق الكلي.
وهيجل في الوصول إلى الروح المطلق يطلب اعتماد الفعل على واقع العالم وليس الشيء في ذاته، حينما يقول: «فمن يريد أن يعمل في عالم الواقع هذا يكون في الوقت ذاته قد أخضع نفسه لقوانينه واعترف بحق الموضوعية»(كتاب أصول فلسفة الحق)، فالفعل حينما يدخل في ديالكتك مع الواقع هنا سيحقق لنا الخير والرفاه لأنه نظر إلى قوانين الواقع وليس ذاته، بينما حال عزله فإنه سيصبح تصوراً ذاتياً جزئياً قاصرًا عن تحقيق المطلق.
** **
- صالح سالم