صبار عابر العنزي
عالم ومفكر إسلامي كبير، ولد في أسوأ فترة عاشها التاريخ الإسلامي، حيث يرى أنه «برز إلى الدنيا في كبوة من تاريخ الأمة، في أيام كئيبة كان الإنجليز فيها يحتلون مصر، كما احتلوا أقطاراً فيحاء من أرض الإسلام الجريح»، هو في واقع الأمر عالم متبحر في العلوم الشرعية ويعد أحد دعاة الفكر الإسلامي المعاصر، عُرف عنه تجديده للفكر ورفضه للتشدد والغلو بالدين، كما عُرف بأسلوبه الأدبي في كتاباته واشتهر بلقب أديب الدعوة...
ولد بمحافظة البحيرة، في 3 من ذي الحجة 1335 - 22 سبتمبر 1917، واسمه محمد الغزالي أحمد السقا، لقب بالـ»الغزالي»، لأن والده رأى في منامه الإمام أبو حامد الغزالي وقال له «إنه سينجب ولدا ونصحه أن يسميه على اسمه الغزالي فما كان من الأب إلا أن عمل بما رآه في منامه»...
أتم حفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره، يقول الإمام محمد الغزالي عن نفسه وقتئذ: «كنت أتدرب على إجادة الحفظ بالتلاوة في غدوي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي، وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنسا في تلك الوحدة الموحشة»...
بعد تخرّجه عمل إمامًا وخطيبًا في مسجد العتبة الخضراء ثم تدرّج بالوظائف حتى صار مفتشًا في المساجد، ومديرًا للدعوة والإرشاد...
عام 1971م أعير للمملكة العربية السعودية أستاذًا في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، ودرّس بكلية الشريعة بقطر، ثم عاد إلى مصر وعين عام 1981م وكيلًا لوزارة الأوقاف، وتولى رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الجزائري الإسلامية بالجزائر لمدة خمس سنوات...
انضم في شبابه إلى جماعة الإخوان وتأثر بمرشدها الأول حسن البنا، كما أنه اعتقل مع عدد من أفراد الجماعة بعد حلها عام 1948م وفي عام 1952م نشب خلاف بينه وبين حسن الهضيبي، مرشد جماعة الإخوان المسلمين وقتها، وخرج على إثره من الجماعة...
مسيرته العلمية كانت منذ التحاقه بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي وظل بالمعهد حتى حصل منه على شهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة (1356 هـ الموافق 1937 م) والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر...
بداية انضمامه لجماعة الإخوان
بدأت كتاباته في مجلة (الإخوان المسلمين) أثناء دراسته بالسنة الثالثة بعد تعرفه على الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة، الذي كان يشجعه على الكتابة حتى تخرّج بعد أربع سنوات في سنة (1360 هـ/ 1941) وتخصص في الدعوة والإرشاد وحصل على درجة العالمية سنة (1362 هـ/ 1942م) وعمره ست وعشرون سنة، وبدأت بعدها رحلته في الدعوة من خلال مساجد القاهرة، وقد تلقى العلم عن الشيخ عبد العظيم الزرقاني، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد أبو زهرة والدكتور محمد يوسف موسى والشيخ محمد محمد المدني وغيرهم من علماء الأزهر...
اعتقاله وتركه لجماعة الإخوان
انضم في شبابه إلى جماعة الإخوان المسلمين وتأثر بمرشدها الأول حسن البنا، سافر إلى الجزائر سنة 1984م للتدريس في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، درس فيها برفقة العديد من الشيوخ كالشيخ يوسف القرضاوي والشيخ البوطي حتى تسعينيات القرن العشرين، نال العديد من الجوائز والتكريم فحصل على جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية عام 1409 هـ/ 1989 م...
أسباب خلافه مع الإخوان
أسباب هذا الخلاف قد نفهمها مما قاله الغزالي فى كتابه «من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث»، الذى كشف فيه الكثير من أسرار جماعة الإخوان، حيث أكد فيه أنه تيقن من وجود أصابع هيئات سرية عالمية تعبث داخل جماعة الإخوان، متهما أكبر قادة الإخوان وأبرزهم المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبى بأنهم من الماسونيين، وأن المستقبل ربما يكشف هذه الأسرار...
قال الغزالي في كتابه معلقا على تولى المستشار حسن الهضيبى لمنصب المرشد: «لقد سمعنا كلاما كثيرا عن انتساب عدد من الماسون بينهم حسن الهضيبى المرشد الثاني لجماعة الإخوان نفسه، ولكن لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على هذا النحو، وربما يكشف المستقبل أسرار هذه المأساة»...
فضح فكر جماعة الإخوان
من بين الشهادات التي تكشف فضائح فكر جماعة الإخوان شهادة الشيخ الغزالي، حيث كتب أكثر من مرة مُحذّرًا من الإخوان ومنهجهم، ومن أبرز ما كتبه في الهجوم على الجماعة الإرهابية» عزّ علىّ أن تتجدّد سياسة الخوارج مرة أخرى، وأن يُلعب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة، فيُلعَن أهل الإيمان ويُترَك أهل الطغيان»...
وواصل بالقول «إن القائد وبطانته لهم حق السمع والطاعة، بيد أن تعليم هذا الجنون كان أسلوب تربية وتجميع عند بعض الناس! أي إسلام هذا؟
ومَنْ من علماء الأولين والآخرين أفتى بهذا اللغو؟
وكيف تُلبسون الدين هذا الزىّ المنكر؟
وهيهات.. فقد تغلغل هذا الضلال في نفوس الناشئة؛ حتى سأل بعضهم: هل يظن المسلم نفسه مُسلمًا بعدما خرج من صفوف الجماعة؟...
وللشيخ رحمه الله كتاب «تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل» طبعه في دار الشروق بالقاهرة، في تشخيص العلل والآفات في تراثنا الفكري المعوقة للنهوض والتقدم، التي ما زلنا نعاني من آثارها الكارثية اليوم في الساحتين العربية والإسلامية...
إذ يقول «نظرت إلى أمتي الإسلامية، واستشعرت عجباً من مواقفها، أمة هي خمس العالم، تبحث عنها في حقول المعرفة فلا تجدها، في ساحات الإنتاج فلا تحسها، في نماذج الخلق الزاكي، والتعاون المؤثر، والحريات المصونة، والعدالة اليانعة فتعود صفر اليدين»...
غاص فكر الإمام الغزالي في قضايا المرأة خاصة فيما يتعلق بالذهاب إلى المسجد وعلاقتها بالدعوة والعمل الدعوى وفرض الحجاب وصوت المرأة بين الحق والباطل وكذلك خروجها إلى العمل والاختلاط، فلا مانع في فكر الغزالي أن تذهب المرأة للمسجد شريطة ألا «تتبجح» في الطريق أي أن تحدث مظاهرة حولها، وأن تذهب المرأة «تفلة» أي غير متعطرة ولا متبرجة واستند في ذلك إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولا يخرجن إلا وهنَّ تفلات»...
كما أن المرأة مطالبة بنشر تعاليم الدين والدعوة إليه وتحبيبه من أصحاب الديانات الأخرى ولها الأجر، وتناول صوت المرأة بين الحق والباطل وكان يرى أن صوت المرأة ليس عورة وإنما العورة في صوت النساء أن يكون الكلام مريباً مثيراً له رنين رديء مؤكداً أنه لا يوجد بين رجال الفقه من قال إن صوت المرأة عورة...
وحول عمل المرأة بحيث قال إن ما يتعارض وتعاليم الدين ومنها ما لا يليق ومساواتها بالرجل ومنها ما يزري بمكانتها مرفوض، إذ إن ممارستها هذه الأعمال يسبب شرخاً في كيان الأمة...
أساليب التربية عند الشيخ الغزالي
يقول إن التربية بالقدوة الصالحة من أعظم وسائل التربية تأثيرًا في نفس الإنسان، وهي أكثرها نجاحًا، ولهذا يجب على المعلم أن يكون قدوة صالحة لطلبته، فلا يصح أن ينشئ ويربي المعلم طلبته على حسن الخلق، ولا يتبعه هو ويمارسه في سلوكه...
أما التربية بالوعظ والتذكير ترتاح لها النفس وتستجيب لها، والقرآن خير دليل على أهميتها ففيه الكثير من الآيات التي تحض على مخاطبة النفس الإنسانية بالموعظة الحسنة، أي بأسلوب محبب، ومتدرج، ومتكرر، وبأسلوب يشعر المتعلم بالعطف والاهتمام...
التربية عنده عمل يستغرق العمر كله، منذ بدء التكليف إلى انتهاء الأجل، ومن الخطأ تصور أنها بناء يتطلب بضعة شهور أو بضعة سنين يعقبه استجمام واسترخاء، المؤمن مع نفسه كقائد السيارة يظل يقظًا طول الطريق، وإلا فقد يهلك في ساعة إغفاء، إن المرء يجاهد نفسه بالغدو والآصال، سائرًا إلى ربه بثبات، والسائر إلى الله بفعل ما أمر، أو ترك ما نهى...
وصف الإخوان بـ«العصبية العمياء»
يؤسفني أن أقول إنني كنت إذا صارحت بأن للإخوان أخطاء، وجدت العيون تحمرّ، والوجوه تثبت، وكأنى كفرت، إنها عصبية عمياء، إنه لا حرج أبدا من اختلاف وجهات النظر، لكن لا يجوز لصاحب رأى ما أن يحسب نفسه المتحدث الرسمي باسم الله ورسوله، وأن من عداه خارجون على الإسلام، بعيدون عن الحق، قد تستطيع عصابة من الناس أن تخطف حكما بالاغتيال والنسف، أو بالاحتيال والعسف...
ويتابع: من حق العقلاء أن يمقتوا الدين، وينبذوا تعاليمه، يوم يكون مرادفاً لجمود الفكر، وقسوة الطبع، وبلادة العاطفة، ويوم يكون استيلاؤه على زمام الحياة عودة بها إلى الوراء، وتغييرا لفطرة الله، يومئذ لن يكون دينًا من عند الله، بل أهواء من عند الناس، ولن يكون السير عليه تقوى ومثوبة، بل معصية وعقوبة...
هجومه المتكرر على الإخوان
كرر هجومه الحاد على الجماعة الإرهابية في كتابات عديدة، وروي عدة وقائع تفضح التنظيم وأفكاره ووسائله غير المستقيمة، أبرزها لقاؤه مؤسس الجماعة حسن البنا قبل اغتياله بيومين، وشهادته على ندم الرجل بسبب اشتغالهم بالسياسة، إذ قال في كتابه «الغزالي السيرة والمسيرة»:...
«القدر جعلني ألقى البنا قبل أن يُقتل بيومين، وكنت أسكن في درب سعادة، ومشيت إلى ناحية الاتجاه القبلي، فإذا البنا من درب الجماميز ذاهب إلى دار الشبان المسلمين، قابلته واحتضنته، وكأنني احتضنت شمّاعة ملابس، فأصبح نحيفًا جدًّا، أحس فزعي فقال:
كيف حال إخوانك، وقال أسماء المعتقلين اسمًا اسمًا، ثم قال الكلمة التي ذكرتها فى بعض كتبي:
ليس لنا فى السياسة حظ، ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت لعُدت بالإخوان إلى أيام المأثورات...
وهذه تعطى فكرة للتيارات التي فرضت على الجماعة الاشتغال بالسياسة، فكانت تيارات عاصفة...
مؤلفاته
من أشهر مؤلفاته: «سر تأخر العرب والمسلمين، دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، خلق المسلم، معركة المصحف، مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، الإسلام المفترى عليه، الإسلام والمناهج الاشتراكية، الإسلام والأوضاع الاقتصادية، الإسلام والاستبداد السياسي، الإسلام والطاقات المعطلة، الاستعمار أحقاد وأطماع»...
وفاته
توفي رحمه الله يوم السبت 20 شوال 1416 هـ الموافق 9 مارس 1996م في الرياض في السعودية أثناء مشاركته في مؤتمر حول الإسلام وتحديات العصر الذي نظمه الحرس الوطني في فعالياته الثقافية السنوية المعروفة بـ(المهرجان الوطني للتراث والثقافة ـ الجنادرية) ودفن بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة، حيث كان قد صرح قبل بأمنيته أن يدفن هناك...