د. محمد بن صقر
شاهد الجميع الفوضى العارمة التي حلت بدولة أفغانستان وخاصة في مطار كابل الدولي الذي كان مسرحاً مؤلماً لحالات الهروب والتجمهر والذعر بين الجماهير وتجمع الآلاف من الأفغان الذين يحاولون الفرار من البلاد بعد سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم وانسحاب القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية وخروج القيادات السابقة من البلاد ووجود الفراغ السياسي والأمني الذي سبب الذعر بين الشعب والتصرف والتفكير باللاعقلانية، ورغم أنه ما زالت تداعيات التغيير موجودة سواء كانت على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني ويصعب التكهن إلى حد كبير بمجريات ما ستؤول عليه الأمور أو بناء تحليلات بلا براهين مستندة على فهم واقع الأمر والاتفاقيات التي أبرمت من أجل ذلك، وتسبب ذلك في انعكاس على حالة الجماهير الأفغانية التي ترتبط تصرفاتها وسلوكياتها بفهمها للنتائج العملية للسياسة وخوفها من المجهول أكثر من فهمها للعملية السياسية نفسها ومعرفة مصيرها ومصير عوائلها في ظل الشعور بالفراغ الأمني والتقلبات السياسية والمصير الضبابي، لذا نجد أن مرحلة اللاعقلانية بين الشعب الأفغاني موجودة في الوقت الراهن وهي كما وصفها غوستوف لوبون المفكر الفرنسي تلاشِي الشخصية الواعية، وهَيْمَنَة الشخصية اللاواعية، وتَوَجُّه الجميع ضمن نفس الخط وهكذا لا يعود الفرد هو نفسه، وإنما يصبح إنسانًا آليًّا ما عادت إرادته بقادرة على أن تقوده. ولا عاد التفكير الواعي المدرك لعواقب الأمور وقد اتضح هذا الوصف جلياً وموجود بين الجماهير التي تريد الهروب بسب الخوف والذعر الشديد مما جعلها تقدم على تصرفات تعتبر جنونية وصلت إلى حتى السقوط من الطائرة كما رصدتها كاميرات وسائل الإعلام من أجل الهروب من تصور ضبابي لما سيكون عليه مصيره في البلاد إلى تصرف لاعقلاني نتيجته الموت المحتم, والمراقب لهذا الأمر لابد أن يدرك أن هذه المسألة والحادثة ليست مرتبطة بشعب معين وإنما تكررت الحالة نفسها في حالة كثير من الدول مثل سقوط سايغون ومواجه الشعب الفيتنامي الهلع والخوف حيث شعر الفيتناميون الجنوبيون بالخوف بعد شائعة تقول إن الجيش الفيتنامي الشمالي، سيقوم بقتل الفيتناميين.
إن مرحلة التفكير اللاعقلاني التي يعيشها المجتمع الأفغاني قد تتطور لتصبح مرحلة خطيرة تعاني منها الحكومة الجديدة إذا سيتحول هذا الشعور إلى وقود لتشكل عصابات وتكتلات تزعزع الأمن والاستقرار من الداخل وانعدام ثقة بين الجماهير الأفغانية، وهذا الأمر يتطلب من الحكومة الأفغانية عدة أمور أولها: بناء الثقة بين الشعب والحكومة والمصداقية وحشد التأييد الجماهيري بتطمينات حقيقية حتى تستطيع الحكومة أن تمشي قدماً في عملية بناء الدولة، وهذا لن يتم إذا كان هناك شكوك في مصداقية الحكومة أو عدم تيقن بوعودها وقد يسبب ذلك انفجاراً اجتماعياً وسياسياً، واحتمالية أن تندلع ثورات داخلية تحت مسميات ثورة الفقراء والمحرومين ومحاولته إسقاط الحكومة من الداخل وهذا مرتبط بالتفكير اللاعقلاني للشعوب والذي ممكن أن يغذى بطرق عدة أهمها الشعور بالخوف. ثانياً: التصالح مع المجتمعات الخارجية والانفتاح على العالم والتعامل مع الملفات الساخنة كالإرهاب وحقوق الإنسان بحرفية عالية، وفي اعتقادي أن حكومة طالبان تعي أن هذه المسائل هي حجر الأساس لاستقرار البلاد داخلياً وخارجياً.
إن مرحلة اللاعقلانية لدى الجماهير تعتبر من المراحل الحرجة والتي يتطلب تداركها بشكل سريع لدى الحكومة الأفغانية.