أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) سورة البقرة.
بحزن بالغ، وإيمان كامل بقضاء الله وقدره تلقيت عصر الأربعاء الماضي النبأ المفجع بانتقال أخينا الكريم العزيز الأستاذ عبدالله العذل إلى رحمة الله تعالى، وإلى لقاء وجه ربه بعد حياة حافلة بالعطاء وبذل الخير والإخلاص. غفر الله له وأسكنه فسيح جناته، وعظّم أجر أبنائه وبناته وإخوانه وأخواته وحَرَمه وأسرة العذل الكريمة وعارفي فضله.
لم يدر بخلدي أن الرسالة التي أرسلتها له -رحمه الله- يوم 16 أغسطس 2021م وردّ عليها شاكراً ستكون آخر تواصل معه؛ فقد كانت وفاته مفاجئة للجميع، إذ لم يكن لديه -رحمه الله- مرض أو مشاكل صحية، لكنها إرادة الله وقضاؤه وقدره (وما كان لنفس أن تموت إلّا بإذن الله كتاباً مؤجلاً) سورة آل عمران.
فقدنا كوكباً من أبرز كواكب الجيل الذهبي لرعاية الشباب، ولحق -رحمه الله- بالرواد الذين سبقوه إلى دار المقامة رحمهم الله.
تشرفت بمعرفة الفقيد العزيز رحمه الله منذ تعيينه في رعاية الشباب منتقلاً من وزارة الدفاع بعد عودته من الدراسة في أمريكا بحصوله على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة بورتلاند، وتم نقل خدماته بناء على طلب ورغبة سمو الأمير فيصل بن فهد رحمه الله، إذ عَرف بثاقب فكره وبعد نظره كفاءة وتأهيل أبي خالد، فاختاره للعمل معه وحظي بثقته فكان نعم الساعد والمعين إخلاصاً وتفانياً وعطاءً. وكان الأمير في بداية عمل الرئاسة حريصاً على استقطاب الكفاءات الشابة المؤهلة للعمل في رعاية الشباب، رحمهما الله وغفر لهما، ومنذ ذلك الوقت منتصف التسعينيات الهجرية، السبعينيات الميلادية، عمل أبوخالد وعملنا كمجموعة زملاء (من جيل الفقيد) تحت توجيهات الأمير فيصل بن فهد رحمه الله، الذي أرسى دعائم العمل الشبابي والرياضي ولاحقاً الثقافي في المملكة، بل كان له الفضل بعد الله في انطلاقة ورشة المنشآت الرياضية والشبابية والثقافية الضخمة في كل مناطق المملكة، بدعم من القيادة الرشيدة باعتبارها البنية الأساسية لأي منجز، وترافق معها إعداد الكوادر السعودية المؤهلة التي يسند إليها إدارة العمل الشبابي والرياضي، وكان أن تحققت بحمد الله بعد بضع سنوات الكثير من الإنجازات التي يفخر بها الوطن والمواطن. ثم واصل عضداه -سمو الأميرين سلطان بن فهد ونواف بن فيصل حفظهما الله- المسيرة من بعده.
تقول أسرة العذل في نعيها للفقيد -جبر الله مصيبتها وأحسن عزاءها- إنه قلب الأسرة النابض والرجل الوفي، وأضيف أنه كان القلب النابض بالمحبة وفعل الخير والسعي إليه ومساعدة الآخرين وقضاء حوائجهم والوقوف معهم.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)، وقال صلى الله عليه وسلم (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، ويشرح الشيخ ابن باز رحمه الله ذلك بقوله: (فالإنسان إذا كان في حاجة أخيه في قضاء دَينه أو في شفاعة له في حاجة أو علاج أو دواء أو غيرها من الحاجات فالله جلّ وعلا وعد أن يكون في حاجته، وأن يقضي حاجته كما قضى حاجة أخيه، وعده سبحانه بالعون). انتهى كلام الشيخ.
وأحسب الفقيد العزيز والله حسيبه من أولئك الذين يقضون حاجات الناس وله مساعٍ مشكورة ومأجورة، بل كان يجد في ذلك راحة وسعادة، فاللهم اجعل ذلك في ميزان حسناته واجزه خير الجزاء، وكان لا يريد من فعل الخير وبذله جزاءً ولا شكوراً إلا من عند ربه سبحانه.. رحمك الله فقد سكنت القلوب بمساعيك المباركة وتواضعك الجم وخلقك الرفيع وابتسامتك الدائمة، ولم تزدك وجاهتك الاجتماعية ومناصبك إلا تواضعاً وقرباً من الناس:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
وهذه وقفات أعرفها عن الفقيد رحمه الله:
- أهم هذه الوقفات قربه من ربه يرجو رحمته ويخافه، وحرصه على أداء شعائر دينه وخاصة الصلاة، وأذكر أننا عندما كنا نتأخر في مكاتبنا حتى صلاة العصر كنا نؤديها جماعة في مكتبه بالمجمع الأولمبي رحمه الله، وفي رسائله التي يرسلها كان دائم الحمد والشكر لله، ومن رسائله الطيبة أرسل لي مرة مفيداً عن توفر تسجيل صوتي لحلقات صور من حياة الصحابة، حاثّاً على سماعها وإسماعها أفراد الأسرة، ومضيفاً أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم القدوة الحسنة، كما كان يرسل في المناسبات الدينية أدعية مباركة. تقبل الله دعاءه ورزقه الفردوس الأعلى من الجنة.
- أعمال الخير في بناء المساجد، ودعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم، كثيرة ومشهودة له بحمد الله.
- أما إسهاماته في خدمة وطنه فمعروفة ومقدرة، ومنها تكفله بإنشاء مشروع المنتزه الوطني بمحافظة الرس بكامل تجهيزاته، وعندما هنأته على هذه المبادرة الوطنية رد بقوله: ذلك واجب ليس لي فضل فيه، وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه الخير للجميع. هذا أنموذج لعطائه المعبر عن محبته وانتمائه لوطنه الذي كان غيوراً عليه ويدافع عن قضاياه.
- كان صورة مشرفة للوطن، وباعتباره كان الساعد الأيمن لأصحاب السمو رؤساء رعاية الشباب فقد كان يكلف بالكثير من المهام الوطنية، مثل رئاسته للوفود الرياضية لكثير من المناسبات، وتوليه رئاسة لجان عديدة، وعلى سبيل المثال كانت إدارته للبطولات القارية التي استضافتها المملكة في التسعينيات الميلادية مع معاونيه أنموذجاً للنجاح الكبير، ولا ننسى احتفاءه بوفود تلك البطولات في مزرعته، وبالمناسبة كان -رحمه الله- ذا قرار، ولم يكن مركزياً في كل أعماله التي يؤديها، ويرى أن العاملين معه في كل اللجان متخصصون كل في مجاله، وهذا ما يسهل وتيرة العمل وإنجازه، وثمة أمر مهم في مسيرته العملية فقد كان قاسماً مشتركاً في الكثير من شؤون قطاع الشباب والرياضة ومنجزاته، ولم يكن وكيلاً للرئيس العام للشؤون المالية فقط بل كان عضواً في اللجنة الأولمبية، وعضواً في اتحاد كرة القدم، واتحاد الفروسية وغيرها من الهيئات، وما يكلفه به أصحاب السمو من مهام كان خير منجز لها.
- كان ذا علاقات مميزة ووطيدة مع الجميع في جهاز رعاية الشباب، ولذلك أحبه الجميع، بل يعده الكثير منهم حلقة الوصل المهمة مع أصحاب السمو رؤساء رعاية الشباب الذين يجدون فيه بغيتهم لمعالجة الكثير من القضايا، كما كانت له علاقاته المميزة في الأوساط الرياضية والشبابية والأندية، وله علاقات وثيقة مع المثقفين والمفكرين والأدباء، وكذا مع رجال الأعمال، وكان حريصاً على التواصل مع زملائه ومحبيه يسأل عنهم ويسألون عنه ويلتقيهم ويلتقونه حتى بعد تقاعده عن العمل .
- فقيدنا رحمه الله كان قارئاً متمكناً خاصة كتب التاريخ، ومذكرات الساسة - بحكم تخصصه - ويقتني الكثير من الكتب المهمة والوثائق، ويتابع الجديد في النشر والطباعة، وأذكر له رغبته وطلبه بعض الإصدارات والعناوين الجديدة عندما نزور معارض الكتب الخارجية.
- ومع أنه شخصية مهمة وتولى مسؤوليات كثيرة إلا أنه كان من محبي العمل بصمت ويترك عمله يتحدث عنه زاهداً بالأضواء الإعلامية إلا في حالات مهمة تتطلب تواصله مع الإعلام مثل بطولة القارات.
رحم الله الفقيد الغالي وغفر له وأسكنه فسيح جناته.. آمين.
** **
منصور بن عبدالعزيز الخضيري - وكيل الرئيس العام لرعاية الشباب لشؤون الشباب (سابقاً)