فضل بن سعد البوعينين
تُسيطر الملفات الأمنية على جميع اللقاءات الثنائية الدولية مع الحكومة العراقية لأهميتها المطلقة. فما يتعرض له العراق اليوم من تداعيات اقتصادية وتنموية ما هو إلا انعكاس للتداعيات الأمنية التي تستوجب المعالجة السريعة لتحقيق الفائدة القصوى من برامج الدعم الدولية الموجهة للنهوض باقتصاده، وتعزيز تنميته.
وتأتي المملكة في مقدمة الدول الحريصة على دعم العراق، بمختلف المحافل وعلى جميع الأصعدة، وبما يعزز أمنه واستقراره، وقوة مؤسساته، وعودته لمحيطه العربي، يؤكد ذلك خطواتها العملية، بدءًا من لقاءات القمة وتوقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وما تلاها من خطوات عملية، ومنها تعزيز دور المجلس التنسيقي السعودي العراقي، الذي أسهم في تأسيس صندوق سعودي عراقي مشترك يقدر رأسماله بثلاثة مليارات دولار، مساهمة من المملكة في تعزيز الاستثمار في المجالات الاقتصادية والتنموية في العراق، وفتح منفذ جديدة عرعر ووضع برامج لتوسعته وتسهيل إجراءات التدفقات التجارية، وبحث جدوى افتتاح منافذ حدودية أخرى، وتوقيع اتفاقية للنقل البحري بين البلدين، والتي تهدف لزيادة حركة مرور السفن التجارية البينية، وتدعم التبادل التجاري وتسهم في تسهيل إجراءات الوصول إلى الموانئ. وبرغم التحديات الأمنية، شاركت المملكة في قمة بغداد، وطرحت توجهاتها السياسية نحوه، وأكدت من خلال وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان على التزامها بدعم واستقرار وتنمية العراق. ما يميز الدور السعودي تركيزه على المصلحة العراقية، وبعده عن الانتهازية التي تمارسها بعض الدول الأخرى، ومنها إيران، في تعاملها مع الحكومة العراقية.
ففي الوقت الذي تسعى فيه القيادة السعودية من خلال علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية في غرس ممكنات التنمية والتعاون الإقليمي الإيجابي، يجتهد النظام الإيراني في تدمير الاقتصاد العراقي، والبنى التحتية، ونشر الفوضى وفرض الهيمنة والتدخل المباشر في الشؤون العراقية وتكريس عزله عن محيطه العربي، من خلال الطائفية المقيتة، وأذرعه الإرهابية، وتحكمه في مفاصل الدولة. لا خلاف على رغبة حكومة السيد مصطفى الكاظمي في تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع المملكة، ومحاولته كسر عزلة العراق وعودته إلى صفه العربي، إلا أن تلك الرغبة تحتاج إلى إرادة وقوة لمواجهة القوى الراغبة في إفشالها. لذا تحرص المملكة على تحقيق المتطلبات الأمنية المعززة للشراكة الاقتصادية، فالأمن والاستقرار قاعدة التنمية الرئيسة.
يؤثر الملف الأمني بشكل مباشر على دول الجوار، والدول المانحة، والمستثمرين الأجانب. إعادة إعمار العراق، وتنميته في حاجة إلى الاستقرار، والحماية الأمنية التي تحول دون تدمير ما يتم إعماره، وهو مطلب دولي تشدد عليه الدول الراغبة في مساعدة العراق، والتي تأمل أن يساعد العراق نفسه قبل مساعدة الآخرين.
فالعبرة ليست في حجم المساعدات والاستثمارات، بل في تحقيق المنفعة القصوى منها، وضمان استدامتها، لتتحول إلى محركات تنمية مستدامة.
يبدو أن المملكة تعمل، في علاقاتها مع العراق، وفق مسارين متوازين، يرتبط الأول بالجوانب السياسية والتنموية والاقتصادية، أما الثاني فيركز على الجانب الأمني، وهو الأهم من وجهة نظر خاصة. وأهميته تأتي من محورين رئيسين أحدهما داخلي، مرتبط بأمن واستقرار العراق وقدرته على حماية الاستثمارات الأجنبية، والمساعدات التنموية، والآخر مرتبط بأمن المملكة من خلال ضبط الحدود وحمايتها ومنع الميليشيات من استغلالها لتهديد أمن دول الجوار.
التنسيق السعودي العراقي المشترك، تمخض أيضاً عن زيارة مهمة لسمو وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، تصنف ضمن الخطوات العملية التي تقوم بها المملكة لتعزيز الشراكة وتفعيل البرامج المشتركة. زيارة ركزت على الملفات الأمنية، وتعزيز التعاون الأمني الذي يعتبر قاعدة العلاقات الاقتصادية والتنموية المشتركة بين البلدين.
العراق في أمس الحاجة للدعم الاقتصادي الشامل، وربما لخطة إعمار مشابهة لخطة «مارشال» التي أعادت إعمار أوروبا المدمرة بعد الحرب العالمية، إلا أن حاجته للأمن والاستقرار أكبر. فالأمن قبل الإعمار والتنمية والاستثمار، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بضبط الحدود، ومحاربة الإرهاب والطائفية، وتمكين مؤسسات الدولة للقيام بدورها الوطني، ومنع التدخلات الخارجية، وتفكيك الميليشيات الطائفية المرتبطة بالنظام الإيراني.