سمر المقرن
شحن بطارية الهاتف لا بد أن ينفد، وأساسات المباني التي تبلغ عشرات الأدوار بقوة وصلابة لو حُمِّلت فوق طاقتها لانهارت، والقطار الكبير يجب أن تُجرى له صيانة وإلا توقف عن العمل، وكذلك كل آلة بحاجة إلى الصيانة والتجديد حتى لا تصبح هي والخردة سواء بسواء! فما بالنا بالإنسان الذي هو من لحم ودم ألا يحتاج هو أيضاً للراحة بعد أن تنفد طاقته من معارك الحياة اليومية الطاحنة؟ لاسيما إن كان رب أسرة مسؤولاً عن أفراد أسرته وإطعامهم وكسوتهم وحل مشاكلهم المعنوية والمادية، أو امرأة تحمل على منكبيها مشاكل الجميع حتى لو كانت تملك صبر الجِمال وحنان الأفيال ودأب النمل على توفير غذائه من صخرة في حضن الجبل، أو معلم الفصل الذي يتحمّل ترهات ومشاغبات تلاميذه أحياناً؟
كل هؤلاء، وغيرهم يحتاجون إلى أوقات التوقف، بأن يُسمح لهم بالعزلة والابتعاد عن ضغوط الحياة التي تحاصرهم من كل جانب، وتأتيهم من كل حدب وصوب والترفيه عن أنفسهم، بعدم إجهاد عقولهم بالتفكير، أو السفر والتجوال بحثاً عن مشهد لموج بحر عاتٍ يغسل الأحزان أو سماء صافية تتيح لهم التدبر في شؤون أخراهم ودنياهم دون تداخل من أحد، حتى يتسنى لهم اقتناص استراحة المحارب التي تؤهلهم لدخول رحى ومعترك الحياة من جديد بعد انتهائها، وإلا طفح بهم الكيل فتنهار أحلامهم وأمانيهم فوق رؤوس الجميع قبل أنفسهم فيخسرهم الكل بعد أن ينقلبوا عليهم أو يخذلونهم أو يرحلوا للأبد بلا عودة.
فكرة المحدودية تشمل الإنسان والحياة والأشياء فكل شؤون الحياة لها طاقة معينة محدودة يجب ألا يتحمّل صاحبها أو صاحبتها أكثر منها، فالشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، ألم يلحظ -بعضهم- كيف أن هناك أشخاصاً فائقي الذكاء لم يحققوا أي نجاحات تُذكر في حياتهم الدراسية أو العلمية؟ لا لشيء إلا لأنهم حمّلوا ذكاءهم فوق طاقته، دون أن يحمل عنه الحمل صفات أخرى تدعم هذا الذكاء وتسبب النجاح في مناحي الحياة وأهمها الأهداف الواضحة والمثابرة والصبر الجميل والدأب وتحصيل العلم والتدريب الجاد!
وألم يتعجب البعض كيف تتقوَّض الحياة الزوجية لفتاة فائقة الجمال أو شخص شديد الثراء ذلك لأنهم حمّلوا الجمال والمال فوق طاقتهما، فهما وحدهما غير كافيين لإنجاح الحياة الزوجية دون أن يصاحبهما صفات أخرى، وبالمثل باقي أمور الحياة التي لو أغفلها البعض لتقوَّضت أركانها بسبب الحمل الزائد فوق الطاقة.
وكذلك الحال بالنسبة للضمير الحي الذي ما إن يتحمَّل فوق طاقته بإلقائه في أتون المغريات ومصاحبة رفقاء السوء حتى ينجرف لتيار الانحراف أو الجريمة لأنه تحمَّل فوق طاقته ليصبح مصيره كمصير البالون المنفوخ الذي يتحمَّل ضغط الهواء بداخله فإذا ما زاد انفجر البالون وصار نسياً منسيا.