د. خالد الشرقاوي السموني
إن المشاركة في الانتخابات تعزز مفهوم الممارسة الديمقراطية، وهي الخطوة الأولى نحو إحداث الإصلاح والتغيير الذي ينشده المواطن، ودعامة أساسية لبناء دولة القانون وتعزيز المسار الديمقراطي. كما تكمن أهميتها أيضاً في أهمية شعور الناخب بمدى تأثير صوته الانتخابي في العملية الانتخابية، حيث كلما كانت الانتخابات حرة ونزيهة كان لصوت الناخب في العملية الانتخابية تأثير قوي لضمان تعزيز الديمقراطية النابعة من اختيار الشعب لنوابه وممثليه.
ولذلك، إن المشاركة في الانتخابات هي الطريق الديمقراطي لإقامة مؤسسات ذات مصداقية تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن كما أكد على ذلك جلالة الملك محمد السادس في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لهذه السنة.
هذا وتمر في المغرب الانتخابات التشريعية المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس النواب والانتخابات الخاصة بمجالس الجهات ومجالس الجماعات، المزمع تنظيمها اليوم 8 سبتمبر/ أيلول 2021، وسط ظروف استثنائية، نظرا لما أحدثته جائحة كورونا كوفيد19 من تبعات على مختلف الأصعدة، وفي مجال الاقتصاد على وجه خاص، وما تطرحه من إكراهات على الحملة الانتخابية في شكلها التقليدي، وهو الأمر الذي دفع الأحزاب السياسية إلى تغيير استراتيجياتها التواصلية عبر اللجوء إلى تقنيات التواصل الرقمي لتقديم برامجها ومرشحيها.
ونحن على مقربة من يوم الاقتراع، تثار العديد من التساؤلات المتعلقة بالعزوف السياسي وبالمشاركة السياسية للشباب ومدى أهميتها وبالمشهد السياسي في ضوء الحملات الانتخابية وكذا التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة.
العزوف السياسي ومخاوف الدولة والأحزاب السياسية
كشفت الاستحقاقات الانتخابية، سواء الجماعية أو البرلمانية التي عرفها المغرب، في السنوات الأخيرة، عن واقع يثير مخاوف على مستقبل العمل الحزبي والسياسي عموما، بسبب ظاهرة العزوف السياسي خصوصا لدى الشباب، مما قد يشكل مخاطر على التجربة الديمقراطية بالمغرب، ما لم تتخذ الدولة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني إجراءات ومبادرات لتشجيع المشاركة السياسية بشكل عام والمشاركة في العملية الانتخابية بشكل خاص.
فعلى الرغم من جودة قوانين الانتخابات وإرادة الدولة في ضمان حرية ونزاهة الانتخاب، فإن ذلك لن يعطي مدلولا ديمقراطيا للانتخابات المقبلة إذا لم تكن هناك نسبة معقولة من المشاركة فيها من قبل المواطنات والمواطنين، لأن أي عزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، قد يؤثر على مسار الإصلاحات السياسية التي تنهجها الدولة.
وتجدر الاشارة إلى أن أغلب الأحزاب السياسية لا تقوم بوظائفها الدستورية، حيث لا تفتح مقراتها للتواصل مع المواطنين أو تأطيرهم أو تكوينهم أو تشجيعهم على العمل السياسي أو الاستماع إلى قضاياهم ومطالبهم المشروعة، إلا مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، فقط لاستقطاب الناخبين للتصويت لفائدة الحزب، بالإغراء أو بوسائل أخرى، إذ لا يزال فقدان الثقة من قبل المواطنين قائماً، في ظل واقع حزبي يتميز بانعدام الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب، وعدم القدرة على القيام بأدوارها الدستورية، مما قد لا يشجع الناخب على الإقبال على التسجيل في اللوائح الانتخابية والذهاب إلى صناديق الاقتراع.
وعلى هذا الأساس، من واجب الأحزاب القيام بدورها في تأطير المواطنين والانفتاح على الأطر، واستقطاب نخب جديدة، وتعبئتهم للانخراط في العمل السياسي وتأهيلهم في شتى المجالات وإذكاء الشعور لديهم بالانتماء الوطني، وتشجيعهم وإعطائهم الفرصة في التعبير عن تطلعاتهم وقضاياهم والدفع بهم نحو القيام بمبادرات تنموية فاعلة وإدماجهم في مشاريع التغيير والإصلاح. وهذا لن يتأتى بطبيعة الحال إلا عن طريق إرجاع الثقة للمواطن في السياسة وفي المشاركة السياسية التي هي تعبير عن المواطنة.
ومما يؤسف له، أن الواقع يؤكد بالملموس على أن نسبة كبيرة من المواطنين عازفة عن العمل السياسي وعن المشاركة في الانتخابات، كتوجه تعبيري يعكس سخطا مجتمعيا من الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد، علما بأن هذه الفئة التي لا تشارك في العملية الانتخابية تؤثر في الخريطة السياسية، التي لا تعكس إرادة الأمة والصورة الحقيقية للتمثيلية الحزبية داخل البرلمان.
وهذا ناتج بطبيعة الحال عن مجموعة من الأسباب، لأن أغلبية الأحزاب تحولت إلى آلات انتخابية، لا تقوم بوظيفتها الدستورية كما يجب، والمتجلية في تأطير المواطنين وتشجيعهم على الانخراط في الحياة العامة الوطنية، حيث إن الفصل السابع من الدستور المغربي لسنة 2011 ينص على أن الأحزاب السياسية تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام.
فضلا عن ذلك، تتمسك القيادات الحزبية بمواقعها على مستوى الأجهزة التنفيذية، وترفض أي تجديد على مستوى القيادة والتسيير، إلا استثناء، وهذا من أسباب عزوف كثير من المواطنين أيضاً عن الممارسة السياسية والانخراط في الأحزاب، لأنهم يجدون أنفسهم أمام هيئات سياسية، إما مغلقة وإما بيروقراطية وهرمية، مبنية على الولاءات والمصالح . فأغلب الأحزاب السياسية المغربية بوضعها الحالي تمثل عائقا أمام انخراط فعال للمواطنين في الحياة السياسية بسبب الجمود الذي تعرفه على المستوى التنظيمي والوظيفي وغياب الديمقراطية الداخلية. علماً أن الفصل السابع من دستور 2011، أوجب بأن يكون تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها مطابقاً للمبادئ الديمقراطية غايتها الأساسية العمل على تقوية دورها في تأهيل المشهد السياسي وتخليق الحياة السياسية، ومن خلال تحميلها مسؤولية تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة السياسية.
فالديمقراطية الحزبية الداخلية تتضمن الضوابط القانونية لقواعد اختيار المرشحين للانتخابات الداخلية للمناصب القيادية، وتغذي التنافس الحزبي للمواطنين، كما تخلق أعضاء داخل المؤسسات التمثيلية أكثر مقدرة وكفاءة، وتضمن للحزب بأن يكون قادراً على وضع سياسات وبرامج سياسية واقعية، وتشجع على تمثيل النساء والشباب في قيادة الحزب.
فضلا عن ذلك، فإن أغلب الأحزاب السياسية التي تشارك في التسيير الحكومي كثيرا ما لا تفي بوعودها المسطرة في برامجها الانتخابية، لأنها تضع أرقاماً تتعلق بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتوفير فرص العمل للشباب، تكون إما غير واقعية لعدم استنادها إلى دراسات علمية، وإما التصريح بأهداف يصعب عليها تحقيقها، وإما فقط لاستمالة الناخبين للتصويت على حزب معين، كأن بيده العصا السحرية، وهو ما لم يعد يطيقه المواطن. وحتى بعض الإجراءات الواردة في البرامج الانتخابية التي لا يحتاج تنفيذها إلى ميزانيات، بل قد تساهم في انتعاش خزينة الدولة، مثل محاربة الفساد الإداري وترشيد النفقات، لا تنفذها الحكومة، مما قد يؤدي إلى فقدان الثقة في الأحزاب ويسهم في تعزيز العديد من المشاعر السلبية لدى المواطن.
وكل ذلك أدى إلى حدوث فجوة عميقة بين المواطن والسياسة بسبب انعدام الثقة، تجعل أي رهان على الإصلاح السياسي بلا قاعدة اجتماعية قادرة على دعمه. هذه الأزمة تتحمل الأحزاب جزءا كبيرا منها.
ورغم صعوبة تجسير هذه الفجوة، لكنها ليست بالعملية المعقدة إذا توافرت الإرادة والنية الصادقة لبناء عوامل هذه الثقة، وذلك من خلال المواطنين، خاصة فئات الشباب، في الأحزاب السياسية لإدراك أهمية دورهم داخل المجتمع ودفعهم إلى التفاعل مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ووضعهم في صلب السياسات العمومية بالإضافة إلى تخليق حقيقي للحياة السياسية والعمل الحزبي، حتى تصير الأحزاب مؤسسات في خدمة المواطن والوطن وليس في خدمة المصالح لأعضائها.
فلا ريب أن العزوف عن المشاركة لا يمكن أن يكون بديلاً لحل الأزمات بل يساهم في تعقيدها، إذ يبقى الخيار الصائب هو المشاركة الفعلية للمواطنين في الانتخابات وذلك بالتصويت على أفضل المشاريع والبرامج الانتخابية التي يقدمها مرشحو الأحزاب المتنافسون. فكلما ارتفعت نسبة المشاركة السياسية عبّر الاقتراع بالفعل عن التوجهات العامة للناخبين.
المشاركة السياسية للشباب
هناك إجماع على أن الديمقراطية لا يمكن لها أن تكتمل في غياب المشاركة المتساوية لجميع أفراد المجتمع، خصوصاً النساء والشباب. كما أن المؤسسات السياسية والدستورية في جميع أنحاء العالم في حاجة كبيرة إلى زيادة وتقوية مشاركة الشباب.
على هذا الأساس، ينبغي إعطاء المزيد من المساحة للشباب للتعبير عن احتياجاتهم وتطلعاتهم للمستقبل. أيضاً من واجب الأحزاب تأهيل القيادات الشابة في شتى المجالات وإذكاء الشعور لديهم بالانتماء الوطني، وتشجيعهم وإعطائهم الفرصة في التعبير عن تطلعاتهم وآرائهم والدفع بهم نحو القيام بمبادرات تنموية فاعلة وإدماجهم في مشاريع التغيير والإصلاح.
وهذا لن يتأتى بطبيعة الحال إلا عن طريق إرجاع الثقة لدى الشباب في السياسة وفي المشاركة السياسية التي هي تعبير عن المواطنة، تساعدهم على ممارسة الشأن العام، هذا مع العلم أن الشباب يملكون الطاقة والقدرة على العطاء، وهم ثروة بشرية قادرة على العمل والإنتاج، إذا فتح لهم المجال للمشاركة في صناعة القرارات المتعلقة بتدبير الشأن المحلي والعام ووضع السياسات العمومية وتقييمها.
فالمشاركة السياسية للشباب تلعب دورا مهما في تطوير آليات وقواعد الديمقراطية، وأيضا أحد أشكال الديمقراطية الاجتماعية، علماً بأن تفعيل هذه المشاركة سيقلل من حالة الفراغ الثقافي والاجتماعي الذي يعيشه هؤلاء، عندما يتم تهميشهم وعدم الاهتمام بقضاياهم، مما قد ينعكس سلباً على أوضاعهم التعليمية والتربوية أو يدفعهم إلى التطرف السياسي أو الديني.
فضلا عن ذلك، تعد مشاركة الشباب في الحياة السياسية مفتاح الديمقراطية التشاركية في المجتمعات وتحقيق التنمية المستدامة، كما تتيح ضخ دماء جديدة في الأحزاب السياسية والمؤسسات التمثيلية، وإعادة صياغة السياسة في صلب أنماط التنمية من خلال القدرة الخلاقة للشباب، ودينامياتهم وقدرتهم على إنتاج أفكار وبرامج وإجراءات ذات قيمة مضافة عالية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك من الشباب يتابعون باهتمام الحياة السياسية على الرغم من أنهم قد يكونون بعيدين عن الممارسة السياسية والحزبية، كما يعبرون عن آرائهم وتوجهاتهم السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن جل الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات لعبت بورقة تزكية الشباب لخوض المنافسة الانتخابية. غير أن ذلك ينبغي ألا يستغل على إثر الاستحقاق الانتخابي وإنما يجب أن تكون لدى الأحزاب الإرادة الحقيقية في إدماج الشباب في الحياة السياسية وتقلد المسؤوليات الحزبية والحكومية، وليس فقط ورقة للحصول على مقاعد في المؤسسات التمثيلية، وبالتالي، يمكن أن يصبح الشباب مستقبلاً أكثر انجذاباً للمشاركة السياسية في الانتخابات أو كأعضاء فاعلين في الأحزاب، لأن انخراط الشباب في العمل الحزبي من شأنه أن يسهم في تطوير الأفكار والمبادرات، كما يسهم في خلق دينامية في النقاش السياسي وإثراء برامج الأحزاب السياسية.
المشاركة السياسية للمرأة
في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يشهدها المغرب، نتساءل عن واقع المرأة المغربية في المشهد السياسي وهل بدأت الأحزاب السياسية تعترف بقدرات المرأة ضمن من يستحقون المكافأة، كونها واحدة من المؤثرات في التغيير أم أنها أول من يضحى بها بعد تحقيق أي نجاح سياسي وأول من سيعود إلى الصفوف الخلفية.
لا يمكن الاختلاف عما حققته المرأة المغربية من تقدم وإنجازات وما وصلت إليه من مكانة مشرفة بفضل جهودها وكفاحها وطموحها لتقلد مواقع الريادة، وفرض حضورها في المجتمع السياسي، وبالخصوص داخل الأحزاب السياسية، على الرغم من التحديات الكبرى التي واجهتها وتواجهها والتقاليد المتحجرة التي تعيق مسيرتها.
وعلى ذلك، فإن مصير المرأة والرجل مصير واحد. فكلاهما مشتركان في الحقوق والواجبات في إطار من التكافؤ والمساواة، وإن أي تحجيم لدورها السياسي يجعل المجتمع غير محقق لأهداف ومبادئ الديمقراطية، حيث إن الديمقراطية تعد القناة الأكثر فاعلية في نشر ثقافة تمكين المرأة من المشاركة السياسية وتسهم في خلق ثقافة المواطنة، كما أنه في أي برنامج تنموي على الصعيد الدولي، نجد بأن من بين الأهداف الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة هناك هدف تحقيق التكافؤ الكامل بين الرجال والنساء في عموم حقوق الإنسان وحقوق المواطنة.
كذلك رغم الدور السياسي الحيوي والمشهود للمرأة المغربية داخل الأحزاب، فإننا مازلنا نلاحظ، مثلا، حضورا باهتا لها في وسائل الإعلام وعلو الصوت الذكوري في البرامج الإعلامية، الخاصة بأنشطة الأحزاب، والذي يحاول أن يخطف نجاحها لصالحه، حيث يهيمن على البرامج التلفزيونية الحوارية الحضور الرجالي الذي يدلي بشؤون وهموم الوطن، في مقابل خفوت الصوت النسائي، إلا استثناء.
وهذه الظاهرة كما نلاحظها، مرتبطة بالعقلية الذكورية والتي تعطي الأولوية للرجل كقائد اجتماعي وسياسي وكعنصر له قدرات أقوى من المرأة في تدبير الشأن العام السياسي وتقلد المواقع الريادية، وبالتالي يصير وصول المرأة إلى مناصب القيادة مسألة صعبة جدا ومعقدة أحيانا. فلولا التمييز الإيجابي الذي أقره القانون المغربي لفائدة المشاركة السياسية للمرأة عن طريق «الكوطا» لما استطاعت أن تحصل على نسبة مشرفة من المقاعد في الانتخابات المتعاقبة منذ سنة 2003 .
فضلا عن ذلك، تبقى قضية وصول المرأة إلى مواقع المسؤولية الحكومية من أهم التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة . وتكمن أهمية القضية في كونها مؤشرا دقيقا على درجة المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين وإقرار مبدأ المناصفة وعلى تغير الصورة النمطية للمرأة وزيادة تمثيلها في مواقع صنع القرار بصورة عادلة تتناسب مع مسيرتها العملية وتأهيلها العلمي وحضورها الفعال في المشهد السياسي والحزبي.
قراءة في المشهد السياسي المغربي
تشكل محطة الاستحقاقات الجهوية والبرلمانية اليوم 8 سبتمبر/ أيلول 2021، مرحلة فاصلة في تاريخ المشهد السياسي المغربي، وذلك لأهمية ودلالات وسياق هذه الاستحقاقات. فهذه المحطة تجري في ظروف استثنائية بسبب الجائحة.
وتعد هذه أول مرة في تاريخ البلاد تنظم فيها هذه الاستحقاقات في يوم واحد، حيث سيتم اختيار أعضاء مجلس النواب ومجالس الجماعات والجهات في 8 سبتمبر/ أيلول المقبل. وكان جلالة الملك محمد السادس قد أكد في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب أن تنظيم الاستحقاقات المقبلة في نفس اليوم «يؤكد عمق الممارسة الديمقراطية ونضج البناء السياسي المغربي».
كما يسود عقب هذه الانتخابات حالة الترقب حول النتائج التي ينتظر أن يحققها حزب العدالة والتنمية الذي فاز برئاسة الحكومة لولايتين متتابعتين، وذلك بالنظر إلى تراجع شعبية الحزب، على ضوء الانتقادات العديدة التي توجه لأدائه الحكومي وسياساته في التعامل مع بعض الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبناء على ذلك، سيواجه حزب العدالة والتنمية صعوبة كبيرة في تصدر هذه الانتخابات، إذ بدأ يفقد بريقه بسبب مشكلات التسيير الحكومي التي لم يكن على خبرة بطريقة تدبيرها. وهذا ما يفسر تراجعه في انتخابات الغرف المهنية، فمن المرتبة الخامسة بـ196 مقعدا في انتخابات 2015 إلى المرتبة الثامنة بـ49 مقعدا فقط في انتخابات يونيو/ حزيران 2021 . يضاف إلى التراجع، تراجعه في انتخابات ممثلي المأجورين، إذ بعد أن حصلت الذراع النقابية للحزب (الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب) على 7.36 %من مجموع ممثلي المأجورين في انتخابات 2015 لم تحصل في الانتخابات الأخيرة سوى على 5.63 %، أي دون عتبة 6 %، ما أفقده صفة الأكثر تمثيلية وتسبب بغيابه عن الحوار الاجتماعي.
تكشف مؤشرات عديدة عن أن هناك أحزاباً أخرى منافسة لحزب العدالة والتنمية قد تشكل الحكومة المقبلة، حال فوز أحدها بالنسبة الأعلى. وقد نتوقع بأن حزبا من الأحزاب الثلاثة (حزب التجمع الوطني للأحرار - حزب الاستقلال - حزب الأصالة والمعاصرة) يمكن أن يتصدر المرتبة الأولى والظفر برئاسة الحكومة.
كما تتميز هذه الانتخابات بالتأثير الذي سيحدثه القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية على نتائج الانتخابات المقبلة، يتمثل في استبعاد هيمنة حزب أو حزبين على المشهد السياسي، وتقليص حظوظ الفوز بمقعدين في نفس الدائرة، كما سيقلص الفارق في عدد المقاعد بين الأحزاب. وهذا يجعلنا نتوقع تشكيل حكومة على الأقل من ثلاثة إلى خمسة أحزاب.
تحديات الحكومة المقبلة
إن الانتخابات هي فرصة لتجديد النخب السياسية في المؤسسات التمثيلية مثل البرلمان والمجالس الجماعية والجهوية، وتمثل رهانا حقيقيا يواكب الأوراش الكبرى التي أطلقها المغرب ومن أهمها:
- تنزيل النموذج التنموي الجديد، الذي أعدته لجنة استشارية ملكية بعد مشاورات واسعة مع الفاعلين السياسيين والمدنيين والخبراء. هذا النموذج التنموي يقتضي تنزيله من قبل الحكومة القادمة، باعتبارها مسؤولة عن تحديد السياسات العامة وتنفيذها حسب ما يقتضيه الدستور، وأيضا من منطلق مسؤوليتها أمام الملك والشعب، ما يستوجب تكييف البرنامج الحكومي مع أهم الخلاصات التي وردت في التقرير، وتنزيله في إطار سياسات عامة ومشاريع قانونية ومراسيم.
- تعزيز مقومات الديمقراطية المحلية من خلال تعزيز صرح الجهوية المتقدمة، التي تكتسي أهمية خاصة على اعتبار أنها ستفتح مرحلة جديدة في تدبير الشأن المحلي والتنزيل الفعلي والحقيقي للامركزية الإدارية، لاسيما بعد تقديم التقرير العام للنموذج التنموي الجديد، الذي يشدد على دور الجهات والمجالس الترابية في تنزيل النموذج التنموي المنشود.
- تدابير لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، ولاسيما ما يتعلق بهشاشة النظام الصحي الوطني، وبروز الحجم الكبير الذي يمثله القطاع غير المهيكل، وحدة تفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية في قطاعات استراتيجية وحيوية من قبيل التعليم والصحة، مما يقتضي وضع خطة جديدة للإقلاع الاقتصادي وإدماج الاقتصاد غير المهيكل في الاقتصاد الوطني وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وإصلاح المنظومة الصحية والرفع من قدرات نظام التعليم الرقمي، بالنظر لتأثيرات جائحة كورونا الكبيرة على البلاد.
- تعميم الحماية الاجتماعية الضرورية لكل المواطنين في إطار تنزيل القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، مما سيكون له من آثار في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة المواطن المغربي، وحماية الفئات الهشة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، لاسيما في وقت الأزمات الاقتصادية والمخاطر الصحية والطوارئ المختلفة.