د. أحمد محمد الألمعي
نرى الكثير من التصريحات والتصرفات الغريبة والمتناقضة من قبل الساسة في الشرق والغرب في المحافل الدولية من وقت لآخر، وتبدو أحيانًا عشوائية أو غير مبررة وحتى سخيفة أو مدعاة للضحك في بعض الأحيان. ويصعب على الكثيرين من المراقبين فهمها، ولكن من منظور نفسي سياسي يمكن تفسير الكثير من التصرفات في سياق مجموعة عوامل تشمل مواقف أو ضغوط سياسية معينة سبقت ذلك، كما يسهم علم النفس السياسي في تفسير الكثير من تلك التصرفات والتي تأتي في كثير من الأحيان متطابقة مع التحليل الواقعي للأحداث. تابعت مع الكثيرين وقائع المؤتمر الذي استضافته مؤخرًا دولة العراق الشقيقة والذي جمع عدداً من القادة ووزراء الخارجية من دول عدة، ثم تابعت وزير خارجية نظام الولي الفقيه في طهران يقوم بكسر البروتوكول أثناء تصوير المجتمعين في القمة، والذي يقضي بوقوف قادة الدول في مقدمة الصفوف يتبعهم وزراء الخارجية في الخلف، والمتعارف عليه هو أن التخطيط للمناسبة وإبلاغ المشاركين بجميع هذه الترتيبات يتم مسبقًا. وتابعنا بكثير من الدهشة تصرف السيد عبد اللاهيان عندما تقدم ليقف في الصف الأول عند التصوير. التصرف كان مثارًا للاستغراب، والتندر للكثير، ومصدرًا للنكتة السياسية، بينما كان مصدرًا للغضب للبعض الآخر بحكم أن السيد عبد اللاهيان خالف البروتوكول وأظهر عدم الاحترام للدولة المضيفة والحضور. والغريب في الموضوع، أن مؤيدي نظام الولي الفقيه رأوا في ذلك التصرف دليلاً على العظمة والقوة، وفي الواقع أن أقل ما يقال فيه أنه سلوك همجي. وبغض النظر عن كل ذلك، هل هناك تفسير منطقي ونفسي لتصرف السيد عبد اللاهيان غير المألوف؟ المتابع للشأن الإيراني يلاحظ أن تصريحات كثير من الساسة الإيرانيين والتي تتسم بأسلوب العظمة والتعالي المفرط عند حديثهم عن عواصم عربية تتبع نظام الولي الفقيه في طهران، والتي تتناقض مع ادعائاتهم بدعم المستضعفين ومحاربة «قوى الأستكبار في العالم»، والتي عادة ما تكون مصحوبة بهجوم وتهديدات تجاه المملكة العربية السعودية ودول الخليج وحتى ضد دول عظمى مثل أمريكا. والمحلل لهذه التصريحات يدرك أنها تظهر بشكل واضح في فترات معينة، عادة عندما يكون النظام في قمة الضعف نتيجة التضييق عليه اقتصاديًا، عسكريًا وسياسيًا وتحت هجوم شديد من قبل المجتمع الدولي بسبب ممارستهم القمعية لشعبهم وتدخلهم في شؤون الدول الأخرى. ونشاهد مكابرة نظامالولي الفقيه بشكل متكرر رغم معاناة شعبه، فهو لا يحب الظهور بمظهر الضعيف ويتحدث إلى الدول الأخرى في المنطقة بنبرة استعلاء ملحوظة. وفي هذا السياق تابعنا ردة فعل ساسة النظام عند طلب المملكة المشاركة في المحادثات النووية، وهو» أن المحادثات فقط للدول العظمى»، فمن الواضح أن النظام في طهران يعتبر نفسه أحد هذه الدول «العظمى»، وتتجلى هذه التناقضات عندما رفض الولي الفقيه استيراد لقاح الكورونا لشعبه الذي يعاني من أرقام إصابات يومية فلكية ووفيات كبيرة، فهذا ليس أولوية للنظام الذي ادعى أنه طور لقاحًا لفيروس الكورونا ليعود قبل مدة قصيرة ليستورد هذا اللقاح من خلال طرف ثالث. وتفسير كل تلك التصرفات المتضاربة في علم النفس السلوكي، يكمن في كونها ردات فعل من النظام وممثليه تحت ظروف الحصار ومعاملة المجتمع الدولي لهم كنظام مارق منبوذ من جميع دول العالم وإحساسهم بالدونية، فتكون ردة الفعل هي السلوك غير المألوف كردة فعل تعزز الاعتقاد الذاتي الخاطئ بمكانة النظام التي تعلو على الجميع في غياب واضح عن الواقع، ويأخذ ذلك أشكالاً مختلفة مثل السلوك الذي قام به السيد عبد اللاهيان، وهو نتيجة للإحساس بالتهميش للنظام المنبوذ وردة فعل سخيفة أو فكاهية لإثبات عكس ذلك. ونرى الكثير من هذه السلوكيات في الجماعات الدينية المتطرفة التي تستخدم أساليب معينة للتحكم في الأتباع ضمن ما يسمى أسلوب تحريك القطيع. فتم اتباع هذا الأسلوب من قبل جماعات دينية في القرن الماضي مثل طائفة القس جونز الأمريكية والذي انتهى بهم المطاف إلى الانتحار الجماعي في مزرعة في دولة غويانا جنوب أمريكا، وشاهدنا الأسلوب نفسه للتحكم في الأتباع من قبل مليشيات مثل داعش وغيرها من المليشيات المتطرفة في المنطقة ومليشيات الحشد الشعبي الذين يقومون بتفجير المنشآت الحيوية لوطنهم العراق اعتقادًا بأنهم يخدمون الولي الفقيه. فنرى أفراد هذه الجماعات يتحدثون بأسلوب يستغربه أي شخص عاقل من خارج المجموعة، ونراهم يساقون إلى ساحات القتال يحملون مفاتيح الجنة وقصاصات من بعض الكتب لاعتقادهم بأنها تمنحهم القوة والحماية كما شاهدنا ذلك في تصريحات أفراد مليشيا الحوثي الأرهابية، فهم يعتقدون بالقوة الخارقة لزعمائهم، وبأن ليس لهم خيار آخر غير طاعتهم معتقدين بأن الهلاك سيحل بهم إذا عصوا هؤلاء القادة الذين يسوقونهم إلى الهلاك. ويشمل برنامج التجنيد أساليب منها التخويوالترهيب، ويستهدف شرائح معينة حسب السن والميول، ويتم التركيز على أشخاص معينين يكونون ضحايا لمثل هذه الدعايات المضللة. وعادة ما ينتهي هذا الفكر بزوال الجماعة المتطرفة نتيجة كارثة، والشواهد من التاريخ كثيرة. ونرى الفكر نفسه في الصورة الحالية لنظام ولي الفقيه والدول التابعة له، من الشعوب الفقيرة المقهورة والتي تفتقر إلى أبسط ضروريات الحياة مثل الرعاية الصحية وتوفير عيش كريم لأسرهم. نسأل الله أن يرفع عنهم ويخلصهم من هذه المعاناة.