سهوب بغدادي
لا يخلو مجلس من حكايا الأولين، وجمال وعذوبة أيامهم لما فيها من قوة الأواصر والعلاقات الإنسانية، فالجار قبل الدار وغيرها من المحاسن التي قل ما نراها أو نلمسها في عصرنا الموسوم بالسرعة والتعليب، لنصل إلى مفهوم المبدأ والأصل اصطلاحاً الذي يعرف بالأساس الذي يُقام عليه، وأوَّل الشيء ومادّته التي يتكوَّن منها أصْل الموضوع، والمنبت والجذر، فيما توظف المفردة في الحياة اليومية كالتالي «فلان من عائلة ذات أصل وفصل» أو «ولد/ بنت أصول» فما الدافع الذي يحض المتكلم على تصنيف او تأطير الأشخاص ضمن حيز الأصل في ظل غياب أو تغيٌر المفاهيم الحالية عن الأصول والأعراف والعادات والتقاليد، أما الأخيرتان فهما محل النقاش والتأييد وخلافه، باعتبار أن العادة ليست بالضرورة الملزمة أن تكون إيجابية أو ذات نفع في الزمان والمكان الذي ينتمي إليه مطبق العادة، كما هو الحال مع التقاليد التي قد تخرج عن كونها أمرا يجتمع عليه فئة من المجتمع بهدف التميز أو الشعور بالانتماء وهو المعيار الأساس في تكوين سيكولوجية الإنسان. بغض النظر عما سبق ذكره، فإننا في زمن اختلفت فيه معايير الأصول، فالشخص الذي تراه وتصفه بأنه «ابن حلال» قد يصنفه شخص آخر بالعكس تماماً، بناء على معطيات التعامل والموقف الذي تعرض له من ذات الشخص، وقد يكون لدى ذات الشخص –رجلا أو امرأة- معايير مزدوجة في الأقوال والأفعال، ويشمل ذلك مفهوم الستر والعفة، فكلما كان الشخص في بيئة تسطح أو تقدس معيارا ما، يتشكل الشخص في قراراته وتصرفاته تباعاً، ولا أقول إن ذلك خطأ فكل إنسان يعرف حيثيات مجتمعه والتبعات المنوطة بأفعاله، إلا أن المعيار الأصيل في كل شئ يجب أن يكون مرتبطاً بالخالق والدين وليس برزمة من الأقوال والأفعال المستحدثة. لطالما سمعنا من أفواه أجدادنا –حفظ الله منهم من كان بيننا ورحم من رحل عنا- زمان أول تحول، أو كانت الدنيا بخير والناس بخير، فما المقصود؟ بالتأكيد لايزال الخير في أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- ولكن يقصد بقولهم تعمق الفجوة بين الأشخاص جراء تسارع الزمان والعيش في عصر العولمة وتباعد الجيران والتباعد الفعلي القائم حاليا نتيجة الجوائح وما شابه. نتيجة لذلك تقطعت بعض أو أغلب الروابط الأثيرية للشخص التي تربطه بمجتمعه وموطنه وثقافته وما إلى ذلك، فقديماً كانت الأعراس فرحة لغياب عنصر التوجس والخوف من المجهول والخشية من الانتقاد، فكان كل شيء متعارفليه، وكل شخص يعرف ماله وما عليه من حقوق وواجبات، من أكبر الأمور إلى أصغرها على سبيل المثال، الأصناف التي ستقدم على العشاء للضيف، فكان في كل عائلة «قيِم» وهو الشخص الذي يعد مرجعاً في كل أمر يختلف عليه في الأعراف. إذ كانت التصرفات تأتي من منبع الحب والانتماء وتقديم الخير للغير لذلك؛ تجد الكبير يحث الصغير على تحسس أوضاع الجار، والكبير يفتح بابه للغريب قبل القريب أو كلاهما، وكل هذه التصرفات يخيم عليها إطار الدين ومظلة الأخلاق الحميدة التي حثنا عليها الإسلام، فمتى كان القلب حاضراً والنية خالصة لوجه الله لن نخاف تغيرا أو تحيُرا في تعاملاتنا -حفظنا الله وأدام الخير في نفوسنا- ولا ننسى أن نتذكر أن الخير والحب والرأفة لا تزال موجودة من قصة المواطن الشهم عايد الشمري ابن سكاكا وزوجته - جزاهما الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة - على تكفلهما بابنة عاملتهما المنزلية التي توفاها الله بعد وضعها المولودة بأيام من ثم قيام الزوجة بإرضاعها مع ابنها لتصبح ابنةً لهما، فيا لجمال الموقف وجمال الدين الذي أباح لنا منافذ عديدة لفعل الخيرات وإعطاء الحب، فلنجعل الحب عنواناً لتعاملاتنا.