تتمثل الإدراكات المعرفية في الإبداع بالتصوير الرمزي الذي يقيم مسافاته البنائية في النص الإبداعي بمدلول الوعي بحيث يصير التشابه المعرفي مؤطرا بذاتية التصور وبحيث يستدرك المد التشبيهي ويصور التماثل الرمزي في سياقات المعرفة حيث لا يستقيم التصوير البنائي الا بمدرك خاطف للوعي وبحيث تسهب المخيلة في التقمص وتستجر الأداة المحركة للوعي الى حيث تسهب الذاكرة بالشعور المكافئ للتبطين المعرفي الذي يقام بأحادية التشابه الرمزي والبنائي في سياقات الإدراك.
وما من عمل إبداعي مؤطر بالتصوير المعرفي الا ويقام بحديه التمثيلي والتصويري كأحادية بناء تستوجب الإيحاء الرمزي لبنائية التشبيه وهذه الأطر تعتمل بالإدراك وتستوحي المخيلة وتستدرك بالذات، وإذا كان التصور مقابل البناء الرمزي مؤولا بالشعور فإن إمكانية استقامة المعرفة مؤولة بالإيحاء إذ لو أدركت المشاعر الإيحاء المبطن في الذات لاستوجب القيام بالفعل المعاكس للإدراك لكن البنائية الرمزية تؤلف بين عدة وقفات منها الإيحاء المبطن للذاكرة والتصوير الأحادي للإدراك والرمز البنائي للمخيلة، وبذلك يستقيم العمل الشعوري من حيث هو تصور يخضع للدلالة المعرفية بالتشبيه وهنا مقامة تكافؤية تستجلي البيان القصصي وتوائم بينه وبين التصوير البنائي بالكيفية التي نشأ العمل الإبداعي عليها.
يدعوني لهذا القول ما وجدته في قصص القاص محمد الحازمي في مجموعته القصصية (قبلة جبين) التي تتخذ فيها الرمزية مقامة واسعة للتمثيل البنائي بأحاديته المعرفية وتصويره الشمولي للموقف المستنطق في العمل القصصي لديه إذ تتكيف لغته مع الواقع مخاطبة الشعور المعرفي بإمكاناته الإدراكية بخطاب التمثيل والتصوير ما بجعل من قصصه مساحة للإمتاع التأملي وواحة للإدراك وما يجعل من المتلقي مخاطبا للذات الواحية ومسهما في البناء الإدراكي بتمثيلية خالصة وبمدلول مكافئ للتلقي حيث إن القاص محمد يعتمد الرمز المكيف مع الواقع ويبني دلالاته الرمزية على معمول الشعور فمجموعته القصصية مؤطرة بالذات الحاكية ومرمزة بالكيفية التي تعتمل في الإدراك فالقاص لا يقف عند مدلول أحادي في سياقات القص بل يتجاوز ذلك الى المثول بسطوة الواقع ويجلي المغيب من الإدراكات حسب معمول المعرفة التصويرية للنص.
وبالنظر الى مجموعته القصصية (قبلة جبين) نجد الإيحاء الرمزي مسهبا في الفراغات البنائية للتمثيل ونجد السياقات الشعورية مرمزة الإيحاء التمثيلي في مساحات الوعي وهو ما ندركه في قصص المجموعة وبالعودة الى قصص المجموعة نجد ما يخاطب الذات ويصور الوعي ويجلو الواقع بإمكانية معرفية تستوجب الترميز البنائي وتستوحي المغيب من الإدراكات كما هو واقع قصة (انتقام) التي يستعير فيها رمز الجمل ويمثل المدرك الواقعي للوطن تمثيلا مجازيا يستجلي رؤى الشعور الواقعي ويؤهل المدرك للتماهي مع الوعي اذ نجده يستعيض بالمدلول الشعوري عن الانتقام فالجمل يأخذ رمزية الصبر البليغ وهو يوحي بكينونة الوعي ويصور واقعه تصويرا مجازيا كما يقول ( اثقل جمله ما فاق طاقته واحتماله بالرغم مما اشتهر به الجمل من تحمل العطش والسير لمسافات بعيدة وان جاع اجتر من مخزونه الا انه لا ينسى ضيمه) فالحدث في الجملة مسير باتجاه الفعل والفعل مركب حول الصبر والبناء الترميزي يسير باتجاه المعمول الواعي بحيث تصير المسألة مسألة ابتكار للفعل وبحيث يصير الانتقام على الصبر مكافئا لفعل الرجل الذي يبدو في القصة غير مكترث بواقع الجمل ما جعل الانتقام مسألة بلوغ للمعرفة الذاتية للواقع من قبل العامة وهذه مقامة واعية من مقامات البناء الترميزي للواقع.
والقاص محمد في أكثر من قصة من القصص يبني حكائية القص على مدلولات مستقيمة في الذات ويصور المشاهد بلمحات خاطفة تستقل بالمدرك البنائي وتستعيض بالتخيل مقابل الوعي ومقابل الادراك ويشبه المدلولات الحكائية في الوعي تشبيها تنظيريا يستقيم معه الفعل المكافئ للكينونة ويستوحي أنساقا تعبيرية مكافئة للمثول التصويري في السياقات القصصية المختلفة ففي قصة (سادت فهل تعود) يجعل القاص من الحكائية التمثيلية عتبة لبلوغ الوعي ويسهب في قراءة التصور ويحد من المثول المكافئ للشعور ويبطن التميز المدرك بحيث يساوق بين المدلول التمثيلي وبين الإيحاء المبطن للإدراك ما يجعل من القصة مدركا راقيا للوعي التمثيلي وما يجعل منها تسريبا للاشعارات المكافئة للذات كما يقول في النسق الآتي (أخذت نفسا طويلا تستلهم ما ضيا تتحسر على غياب شخوصه وابتسامة رضا عن شريط ذكريات آسر واصلت حديثها: من الضحى تنشط الخادمات واهل البيت يدا بيد..الخ) فخطاب القص هنا يجعل من تسريب المدلولات إيحاء مكافئا للذات والبناء الرمزي مستقيم مع مدلول المعرفة المكافئة للذات، والقاص هنا لا يحد فقط من التمثيل بل يتجاوز ذلك الى الإبلاغ المحض عن الكيفية التي يستقيم عليها المثول التصويري ما يجعل من القصة مدركا واقعيا متمثلا بالشقاء والحسرة وهو ما يهيئ لها نهاية مبكية وعلى ذلك يستقيم التصور والتسريب اللامكاني للحدث والقاص، هنا يستعيض بالتشبيه المرئي عن الذات ويصور بمماثلة بليغة الأشياء تصويرا مستشعرا بالذات الناطقة ومستلهما بالإدراكات المنطوقة بحيث صار التصوير مستأنسا للنفس بمعية الشعور ومكافئا للمد التخيلي المستنطق في الذات وعليه يستقيم التصور بإمكانية بلوغ عتبة الوعي من هنا يمكن القول إن القاص يستعيض بالتشبيهات اللاإرادية ليقيم معها مكافأة التمثيل والتصوير، وهذه مقامة رفيعة من مقامات التخيل الرمزي للأنساق الإدراكية في القصة.
واذا كان القاص محمد يقيم التصور الأحادي في الأنساق القصصية ويصور الشمول المدرك تصويرا مجازيا يستعيض به عن التمثيل فإنه في أكثر من قصة يساير المد الفعلي لبلوغ التشبيه ويستعيض عن المعرفة التصويرية بأنساق أحادية تكافئ المثول التنظيري للسياق المدرك وفي أحيان كثيرة يقيم القاص حكائية البناء الرمزي مقام التخيل ويوائم بين المدلول المنطوق وبين التخيل ويسهب بالأحياء مقابل الذات وهو هنا يتمثل المدرك ويبطن مسافات واسعة من الخيال ويستسلم القاص أحيانا للشعور فتنهض لغته بالمدلول المكافئ للذات ويتم التشبيه بين الناطق والمنطوق بحيث تدرك الإشعارات الذاتية للقص ويتحرك المنطوق باتجاه الناطق ويبلغ القص مداه بالإيحاء الأحادي المكافئ للذات كما هو حال قصة (ظلوم جهول) إذ يباشر القاص ترتيب الدور النفسي بين المنطوق والناطق بتمثيل بياني للمدرك ويستنطق المغيب المكافئ للشعور ويجلي المبهم من الوعي بإمكانات معرفية بليغة وذات ناطقة تحيل الوعي الى حضور مكافئ للذات حيث يدرك المعنى المبطن وتقيم عتبات الادراك مقام التمثيل، فالقاص هنا يستعيض بالمدلول الشعوري ويقيض المفهوم الكامن ويرصد الإيحاءات الآتية من الذات ويعتمد البلاغة التصويرية كأفق مدرك يقام عليه حدي البناء الرمزي إذ يسرب المفهوم الغائر للذات بمعية الوعي ما يجعل من القصة نموذجا للاشعار المركب في النفس، فالقصة لا تقيم المجهول في النفس فحسب بل تمد آفاقا واسعة للخيال وتحكم المعنى بمسافاته المدركة في الذات وتشبه الناطق بالمنطوق في كثير من الوقفات التي تجعل من المدرك وأحيا بلغته الخاصة متمثلا الشعور بوعيه المدرك وهو ما يعني التماهي المبطن في الكيفية التي نشأ عليها التمثيل فالإيحاء المخترق في القصة مبطن بحيث يدرك إيحاء وبحيث تعتمد مدلولاته التصوير المكافئ للروح فحين يتحدث القاص عن طبيعة الأشياء يوائم بين المركب من الإدراك وبين الوعي الذاتي وهو بذلك يصور المدرك من الأشياء تصويرا مقيما في الذات وهنا إمكانية رفيعة لتجاوز المد التخيلي واستنطاق الذات بينما في قصة (النهاية غدا) يبلغ التخيل مداه ويستقطب القاص التصوير مقابل الوعي ويفرد للمدلول اللغوي مساحة واعية للشعور ويستنهض المدرك من الشعور الذي يأخذ مداه الواسع ويمثل التهيئات من منظور النفس فحضور التمثيل مدرك بمعية الشعور والاسترسال بالتخيل يقوم مقام الفعل واستنطاق المغيب يوائم بين ما هو حقيقي وما هو متخل، وعلى هذا يقيم القاص لغته وتصوره بحيث يدرك المفهوم التمثيلي للبناء الرمزي وتعتمل في المخيلة اشعارات الذات وبحيث يدرك المستوحي وتقصر المسافة بين الخيال وبين مدلول الإيحاء وعلى هذا يستقيم البناء الرمزي في مواطن الخيال.
والمجموعة القصصية كلها مبنية على استقصاء التصور استحداثات الذات فالتمثيل المدرك في واقعه من خلال الأنساق المختلفة في المجموعة القصصية مسترسل البناء التصويري للمعرفة مركب بالكيفية التي تبرز المدلول الإيحائي وتسهم في استقصاء الشعور بحيث يدرك المبطن من الأشياء وتستجلي الرؤى المعرفة وبحيث تتماهى الإدراكات ويقام المد التصويري مقام اللفظة بمدلول الذات ومع ذلك يتميز القاص محمد الحازمي بدقة التصوير وبلغة القص التي تستوعب الإيحاء وبالبيان الذاتي المدرك لحقيقة الواقع فبلاغته التصويرية مهيأة للشعور ما يجعل من أعماله القصصية مساحة واعية ومكافئة للذات والعقل وهو ما يميز ابتكاراته ولغته وتصويراته على مستوي عمله القصصي وإبداعه في هذه المجموعة القصصية (قبلة جبين).
** **
- نبيل منصور نور الدين