تتزاحم أماكن تقديم القهوة في كل زاوية وبين كل ركن في العاصمة الرياض. وإن كان الهدف الرئيسي لهذه الأماكن هو تقديم مشروب القهوة بكل تفاصيله وتنوعاته. إلا أن الواقع يقول غير هذا الكلام. فهذه الأماكن تقدم أماكن للجلوس وتبادل أطراف الحديث بين أفراد الأسرة. هذه الأماكن تقدم فرصة لاجتماعات وجلسات ثقافية متنوعة، تقدم فرصة لنقاشات استثمارية لشباب عصاميين ينطلقون نحو ريادة الأعمال، وكذلك تقدم أوقات هادئة لتبادل اللحظات الرومانسية لزوجين يبدآن أو يكملان مسيرتهما في الحياة. ولكن ورغم التنوع والتفرد في أماكن احتساء فناجين القهوة والكلمات النزارية المكتوبة عليها فهل هي فقط ما تحتويه الرياض العاصمة، الرياض الحالمة والرائدة والعاشقة والمعشوقة لكل سعودي وعربي ومسلم.
بالطبع الرياض تغص بالأماكن الجميلة ولكنها تحتاج إلى عين النحلة حتى تراها وتتأملها وترتشف من رحيقها الحلو. فهل نبدأ بالدرعية وقد كانت بداية معرفتي بالرياض حيث سكنت فيها في المرحلة الجامعية لقربها من جامعة الملك سعود. وكانت الدرعية ولا زالت، موطن الجمال النابع من الأصل النجدي ورائحة الطين والخشب وتدرجات الجدران من الأسفل تبدأ قوية متينة حتى ترتفع إلى عنان السماء رشيقة متأنقة. متنزه البجيري الذي يحمل معه أكثر من ثلاثمائة سنة من العمق التاريخي ويشرف على الجهة الشرقية لوادي حنيفة، يحمل معه بساطة الماضي مع لمسات الحاضر، يستقبل فيها زواره من كل مكان، ويحيطهم بأسواق شعبية تقدم للسائح ما يريد بأسعار مغرية. وعلى بعد مسافة قريبة تطل أطلال الدرعية القديمة، والمدرجة على لائحة التراث العالمي وقد تجدد شبابها ولكنها لا زالت على العهد باقية بطينها وملامحها وعبقها التاريخي، ومعلومات متنوعة يحصل عليها الزائر، ليعرف كيف تأقلم أجدادنا مع صعوبة الحياة وشظف العيش، فنسجوا أجمل الذكريات من رحم المعاناة. وفي الدرعية كذلك فازت زها حديد بتصميم أحد المشاريع المهمة فيها قبل وفاتها في العام 2016، وهو مشروع «مركز التراث العمراني»، الذي ستكون إحدى وظائفه الحفاظ على هذا الموقع التراثي العالمي التاريخي. استوحت حديد تصاميم المركز من التراث العمراني للدرعية نفسها، ومن الكثبان الرملية والبيئة التراثية، وأعطت للمركز شكلاً من خطوط متعرجة كما الكثبان الرملية، وخطوطاً مستوحاة من المناظر الطبيعية والمباني التاريخية التي تحيطه. هذا المركز ومع أربع واحات خضراء، يرسمون علاقة متينة للدرعية بالطبيعة والتراث الجميل. وبالقرب من ذلك يتم إنشاء مشروع يهدف إلى تحويل البيوت الطينية في الحي إلى فندق تراثي بتصنيف 5 نجوم.
وإذا كانت الحروف قصرت في وصف الأماكن في الدرعية فضخامة الأعمال والتطويرات هناك تشهد بالمزيد. وإذا كانت الدرعية مركز انطلاق الدعوة والدولة السعودية الأولى، فقصر الحكم وما يحيط به هو مركز انطلاق الدولة السعودية الثانية. وقد كانت العناية مستمرة بمركز الملك عبد العزيز التاريخي الذي يشمل العديد من الرموز التاريخية مثل المتحف الوطني والمتنزه العام ودارة الملك عبد العزيز وقصر المصمك والقصر الأحمر. وقد حقق المعماري العالمي راسم بدران جائزة آغا خان الدولية نظير تطويره لمنطقة قصر الحكم وجامع الإمام تركي، والذي يعتبر تحفة معمارية جميلة تمثل الطراز المعماري النجدي. كذلك لم يتوقع المعماري السويدي سوني لينستروم أن يتحول تصميمه المخروطي لبرج مياه الرياض إلى رمز لهذه المدينة ويتسمى الشارع الذي يمر به باسم شارع الخزان لسنوات (طريق الإمام تركي) وأن يتم تدريس طريقة بنائه إلى مهندسي الإنشاءات، حيث تم بناؤه ابتداءً من الجزء الأعلى حيث تم صب الجزء المخروطي من البرج فوق سطح الأرض، ثم بدأ رفعه شيئًا فشيئًا باستعمال أكثر من ثلاثين رافعة هيدروليكية واستكمل البناء بالأسلوب نفسه. خريطة السعودية التي تحيط بالخزان كبحيرة حولها جلسات خضراء وأخذت من حديقة الوطن لها اسمًا لتستقبل زواره بجمال أخاذ. الإطلالة العلوية من البرج لا تطل فقط على حديقة الوطن بل على منطقة متنوعة بين التراث والحدائق الغناء والأسواق التجارية التقليدية. وليس بعيد عن ذلك متنزه سلام. والذي على الرغم من أنه يقترب في عمره من العشرين عامًا. إلا أنه وكأنه بالأمس افتتح من شدة العناية والاهتمام التي يلقاها. وبمساحة تتجاوز الثلاثمائة ألف متر مربع، يشعرك هذا المتنزه وكأنك بأحد المدن الأوربية. فيمتزج اللون الأخضر مع الأزرق في هذه المساحة ليعطي جوًا من الجمال والترفيه والمتعة. حديقة المعالم ومتنزه الملك عبد الله وغيرها من المتنزهات تمثل رئة وملاذًا رائعًا لأهل الرياض وزائريها.
وماذا بعد. بعد ذلك فعلى مساحة تزيد عن 13 كلم مربع يتم إنشاء أحد أكبر الحدائق بالعالم وهي حديقة الملك سلمان حيث ستكون باختصار مدينة داخل مدينة. وتعد مشروعًا بيئياً وثقافيًا ورياضياً وترفيهياً، يسهم في تغيير نمط الحياة في المدينة، ويقدم خيارات متنوعة من الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية والبيئية أمام سكانها وزوارها من خلال مجموعة من المرافق والمنشآت. وتتميز الحديقة، بموقعها المحوري الذي يتوسط مدينة الرياض، ويرتبط بستة من طرقها وشرايينها الرئيسية، إضافة إلى اتصالها بمشروع الملك عبد العزيز للنقل العام عبر خمس محطات على الخط الأخضر من قطار الرياض، وعشر محطات على خط شبكة حافلات الرياض، مما يسهل الوصول إليها من مختلف أجزاء المدينة. كما تحتوي الحديقة مجموعة من المرافق الثقافية، تتمثل في إقامة سبعة متاحف متنوعة: (متحف الطيران، متحف الفلك والفضاء، متحف الغابات، متحف العلوم، متحف العمارة، متحف الواقع الافتراضي).
ستقدم حديقة الملك سلمان مع مشروع الرياض الخضراء وكذلك مشروع المسار الرياضي بالإضافة إلى مشروع الرياض آرت لمسة أنيقة للرياض لتنقلها إلى مدينة تنبض بالحياة والجمال والحركة. وستشدو الرياض وأماكنها بأجمل الألحان لسكانها ولزائريها من كل مكان.
** **
أ.د. عبد العزيز سليمان العبودي - جامعة القصيم