د. تنيضب الفايدي
لمكة المشرفة عدة مداخل، حيث دخلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند فتح مكة من الجهات الأربع، ولكن اشتهر منها كَداء وكُدي، حيث إن كداء ثنية بمكة يخرج منها الطريق من الحرم إلى جرول، تفصل بين نهاية قعيقعان في الجنوب الغربي وجبل الكعبة، وأما كُدَىّ مصغراً: فإنما هو لمن خرج من مكة إلى اليمن وكداء تعرف بثنية الحجون، قال: عبيد الله بن قيس الرقيات:
اقفرتْ بعد عبد شَمسٍ كداء
فكُديّ فالركن فالبطحاء
فمنى فالجمار من عبد شمس
مقفرات فبلْدح فحِراء
فالخيام التي بعُسفان فالحجـ
ـفة منهم فالقاع فالأبواء
موحشات إلى تعهّن فالسقـ
ـيا قفار من عبد شمس خلاء
وقال الأحوص:
رام قلبي السُّلوَّ من أسماء
وتعزَّى وما به من عزاء
إنّني والذي تحجّ قُريشٌ
بيته سالكين نقب كداء
لم ألُمّ بها وإن كنت منها
صادراً كالذي وردت بداء
وقال أبو سعيد مولى فائد يرثي بني أمية فقال:
بكيت وماذا يردّ البكا؟
وقل البكاء لقتلي كدا
أصيبوا معاً فتولوا معاً
كذلك كانوا معاً في رخا
بكت لهم الأرض من بعدهم
وناحت عليهم نجوم السما
فكانوا، ضيائي، فلما انقضى
زماني بقومي تولى الضيا
وقال ابن أبي سنة العبلي:
أفاض المدامع قتلى كُدَى
وقتلى بكُثْوَةَ لم ترمس
قال صاحب كتاب مشارق الأنوار: كَدَاءُ وكُدَيّ وكُدىً، وكَداءُ، ممدود غير مصروف بفتح أوله، بأعلى مكة، وكُدَىً: جبل قرب مكة.
ويطلق على كدَاء التي دخل منها النبي -صلى الله عليه وسلم- العقبة الصغرى التي بأعلى مكة وهي التي تهبط منها إلى الأبطح والمقبرة منها عن يسارك، وكُدىً أوكدي التي يخرج منها من بمكة هي العقبة الوسطى التي بأسفل مكة، وثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل مكة أثناء الفتح من كَدَاء التي بأعلى مكة، وفي حديث ابن عمر: دخل في الحج من كداء، من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى، وفي حديث عائشة: أنه دخل من كداء من أعلى مكة. وكُدى وكُدي وكلاهما بضم الكاف، بأسفل مكة عند ذي طوى عند قعيقعان جبل بأسفل مكة، قال حسان بن ثابت -رضي الله عنه- يتواعد قريشاً ذاكراً كداء:
عَدِمْنَا خَيْلَنَا إنْ لَمْ تَرَوهَا
تُثِيرُ النَّقْعَ مَوعِدُهَا كَدَاءُ
يُبَارِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ
عَلَى أَكْتَافِهَا الأَسْلُ الظَّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ
تُلَطِّمُهُنَّ بِالخُمْرِ النِّسَاءُ
فَإمَّا تُعْرِضُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا
وكانَ الفَتْحُ وانكشَفَ الغِطَاءُ
وإِلاَّ، فاصْبِرُوا لجِلادِ يَوْمٍ
يُعِزُّ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وجبريلٌ أمينُ الله فِينَا
وروحُ القدسِ ليس لَهُ كفاء
ومع وجود مسافة بين كداء وكُدي حيث إن كداء شمالها -أي: شمال مكة - وكُدي جنوبها إلا أن اسميهما يذكران معاً، سواءً عند البحث عن معلومات عنهما أوحتى في الشعر، فهذا شاعرٌ ضاع قلبه في مكة يقول:
كانَ لي قلبٌ بِجَرْعَاءِ الحِمَى
ضَاعَ منِّي هَلْ له ردٌّ علَيْ
فاعْهَدُوا بطْحَاءَ وَادِي سَلَمٍ
فَهْيَ ما بيْنَ كَدَاءٍ وكُدَيْ