خالد بن حمد المالك
أمريكا بعظمتها كقوة عسكرية واقتصادية أولى إلى حين تحاول أن تبتز بعض الدول الأخرى بما فيها حلفاؤها وأصدقاؤها لأهداف في نفس بعض قادتها ومسؤوليها، مفرطة بثقة الآخرين بها، وطاردة لكل تناغم لحليف أو صديق في الأهداف المشتركة، وخاصة في الموقف من الإرهاب.
* *
لهذا، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تتورَّع عن خلق الأكاذيب، وصناعة الروايات الكاذبة، والتلميح أحياناً والتصريح أحياناً أخرى بأن لديها ما يثبت صحة ادعاءاتها ضد الدول الأخرى، متكئة في ذلك على حجج وأباطيل ودلائل لا وجود لها إلا في مخيلة الدولة العظمى في العالم، مستقوية بها ضد الآخرين، فيما يشبه الابتزاز المعيب أن يكون مصدره ومتبنيه الولايات المتحدة الأمريكية.
* *
فقد دأبت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م على إلصاق التهمة بالمملكة العربية السعودية، والقول بأن لها صلة بهذا الحدث المأساوي، دون دليل، رغم كل التحقيقات التي قامت بها للوصول إلى الفاعل ومَن دعمه، ومعرفة صلة أي دولة بما حدث، ليتحمّل المسؤولية، خاصة وأن ذوي القتلى لا يزالون يطالبون -ومعهم الحق- في الثأر لدماء الأبرياء الذين قتلوا في الحادث.
* *
غير أن السلطات الأمريكية تتمنع في كشف ما لديها من معلومات ووثائق، وما أسفرت عنه التحقيقات، لضعف هذه المعلومات في إدانة أي جهة، ولأن الاتهامات التي تصدر من حين لآخر لا ترتقي إلى مستوى الإدانة إلا في أذهان من يريد الابتزاز، وعض اليد التي تعاونت مع أمريكا في محاربة الإرهاب، وأعني بها المملكة العربية السعودية.
* *
ولكن في بيان سفارة المملكة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، عبرت المملكة بما يلجم أي ادعاء، قادم، وكشفت الغطاء عن المستور، وتحدت الولايات المتحدة الأمريكية أن تعلن عن تفاصيل ما توصلت إليه التحقيقات ليعرف العالم وتحديداً الشعب الأمريكي التضليل الذي تمارسه حكومته، والتلاعب بالمعلومات التي ترد في تقاريرها من حين لآخر، دون مراعاة لمشاعر ذوي القتلى من الأمريكيين.
* *
في البيان السعودي مجموعة حقائق، وكثير من الأسئلة، التي لا تستطيع أن تواجهها القيادة الأمريكية بإجابات مقنعة، وليس أمامها إلا أن تصمت بعد أن جاء البيان السعودي مفحماً وصريحاً وشفافاً بعد سنوات من الصمت على الافتراءات والأكاذيب والادعاءات الباطلة، ما يعني أننا أمام تحول حقيقي بعد عشرين عاماً على حدوث هذه الجريمة، والتحول الذي أعنيه إلزام واشنطن بفتح ملفات هذه القضية أمام الملأ ليعرف حقيقة ما حدث، ومن كان وراء هذه الجريمة.
* *
ترحيب المملكة للكشف عن وثائق سرية لهجمات 11 سبتمبر عام 2001م، وتأكيدها في بيانها على أن أي ادعاء بأن المملكة متواطئة في الهجمات باطل ولا أساس له من الصحة، ومطالبتها المستمرة دوماً خلال العشرين سنة الماضية بالشفافية فيما يتعلَّق بمأساة الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وما كشفت عنه التحقيقات، يعني - فيما يعنيه - ثقة المملكة بعدم علاقتها كدولة وكمسؤولين بهذه الجريمة الشنعاء، خاصة وأنها كانت إلى جانب أمريكا مستهدفة من تنظيم القاعدة، بل إن المملكة كانت الهدف الرئيس لهذا التنظيم حتى قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فكيف يستقيم ما تدعيه بعض الدوائر الأمريكية من اتهامات للمملكة، وهي التي تعرضت للإرهاب على مدى سنوات طويلة.
* *
وإذا كانت المملكة تفخر - كما جاء في بيان السفارة - بسجلها في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك جهودها لإحباط تمويل الإرهاب، وإستراتيجيتها الشاملة لمكافحة الفكر المتطرف، وإضعاف ودحر المنظمات الإرهابية في جميع أنحاء منطقتنا، بما ساعد على إنقاذ أرواح الآلاف من الأمريكيين والسعوديين، فكيف تستمر أمريكا في مواصلة الإعلان عن هذه الادعاءات الكاذبة، وتغالط ما توصلت إليه لجنة الحادي عشر من سبتمبر من أن المملكة ليس لها علاقة بهذه الجريمة؟
* *
إن على الولايات المتحدة الأمريكية الآن أن تضع حداً لهذه الأكاذيب، وهو ما يعني أن ترفع السرية عن المواد المتعلقة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وخاصة الـ28 صفحة التي توصلت إليها لجنة التحقيق، وفيها براءة للمملكة من أي علاقة بهذه الجريمة، إلا أن يكون الهدف من هذا الابتزاز الرخيص، إضعاف دور المملكة في المنطقة والعالم، أو لإرضاء ذوي القتلى بمعلومات مغلوطة وكاذبة، مع أن مردودها السيئ سيكون على الولايات المتحدة الأمريكية لا على المملكة التي تفخر بعلاقات ممتازة مع كل دول العالم، وتعاون غير محدود معها، وأي تفريط بالعلاقة التاريخية والإستراتيجية بين الحليفين والصديقين في الدولتين ليس في صالح الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يجب أن تفهمه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.