الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تؤكِّد تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف على تبيان الحقيقية للراغبين في الزواج من الشباب والفتيات، وعدم إخفاء العيوب للخاطب والمخطوبة؛ لأن المسلم أخو المسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الدين النصيحة».
وحينما تم تطبيق الفحص الطبي ما قبل الزواج بهدف الكشف بغرض حماية الأجيال الجديدة من الأمراض الوراثية والمعدية التي تنتقل بين الزوجين، مما أسهم في تخفيف المشكلات الأسرية، وعلى الرغم من ذلك لا يزال البعض يخفي العيوب التي لا يشملها الفحص الطبي كإدمان المخدرات، والأمراض النفسية وغيرها مما أوجد حالات الانفصال، وحدوث المشكلات بين الزوجين وأسرهم.
«الجزيرة» التقت مع مجموعة من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية والنفسية ليتحدثوا حول تلك القضية، والآثار الناجمة عن إخفاء العيوب للخاطب والمخطوبة، والسبل الكفيلة للمعالجة، فماذا قالوا؟
هدم المجتمع
يوضح الدكتور عبدالله بن محمد المطرود الداعية ومأذون الأنكحة أن الزواج منّة ونعمة من الله وستر عوّضنا الله به عن الحرام؛ فصان الإسلام الزواج وجعله قائماً على الوضوح والنقاء وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، وفي نفس الوقت أعطانا الإسلام قاعدة عظيمة لكل شيء (من غشنا فليس منا)، فما بالكم بالحياة الزوجية التي قوامها الصدق والوفاء والود والمحبة، ولحفظ جانب الزواج حرم الغش والتدليس والكذب وكتمان العيوب إن وجدت كون هذه الأمور تهدم المجتمع فضلاً عن الحياة بين الزوجين، مشدداً على الوضوح والتوضيح في الزواج فإذا كان الشرع في البيع والشراء أمر بعدم كتمان عيوب البضاعة فمن باب أولى في الزواج لما يترتب على ذلك من مشاكل وهدم للحياة الزوجية وتعطيل لمصالح المجتمع وإكثار للطلاق وتشتيت الأهداف المرجوة، ومن أجل أن يستمر الزواج ويعيش الزوحان بسعادة وهدوء كان لا بد من الابتعاد عن المشاكل التي قد تقع إما عند عقد الملاك أو بعد الزواج، ومن أهمها عدم إخفاء العيوب من أمراض نفسية أو بدنية أو عقلية أو غيرها قبيل الارتباط بين الزوجين، حيث تقع المسؤولية الكبرى على الأهل وعلى الزوجين؛ فإذا كان استمرار العلاقة الزوحية قائماً على المصالحة فإن مبدؤها يقوم على المصارحة.
دورات قبل الزواج
ويشير الدكتور عبدالله المطرود إلى أن المسؤولين عن المجتمع يبحثون بعمق في الأسباب التي تؤدي إلى عدم استمرارية الزواج والأسباب التي قد ينتج عنها الطلاق وهم في نقاش مستمر لإيجاد الحلول التي تكفل استمرار الزواج وتحول دون نزيف الطلاق واستعلاء المشاكل، ومن ضمن ما توصلوا إليه الكشف الطبي قبل الزواج لتطمئن الأطراف لحياة سعيدة وهنيئة ولإيجاد أطفال أسوياء أصحاء إلا أنني أود أن أدلي بدلوي معهم في بعض الأسباب التي قد يحتاجها أطراف الزواج لضمان سير حياة الزوجين سعيدة، ولا أريد تعقيد الأمر لكن ما يحصل اليوم من ازدياد وتيرة الطلاق، وكذا ما نسمعه بين الحين والآخر من مواقف مؤلمة يكشف عنها ويوضح أن من أسبابها المخدرات أو الاختلال العقلي يجعلنا نتعاون للإصلاح والتقليل من هذه المواقف السلبية والماساوية ومن الضرورة العمل على:
1 - إقامة دورات لعدة أيام قبل الزواج وإصدار شهادة بذلك، وتقدم للمأذون لإتمام العقد.
2 - ضرورة أن يتضمن الكشف قبل الزواج عن الحالة العقلية والمزاجية للزوجين خاصة إيضاح الإدمان أو التخلف إن وجد.
3 - على الأهل أن يبينوا للطرف الآخر ما لاحظوه ويلاحظونه من تغيرات نفسية أو عصبية أو غيرها على ابنهم أو ابنتهم وعدم كتمان ذلك حتى لا يأثموا ويندموا وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنا .
4 - أهل الزوج وأهل الزوجة قد تتغلّب عليهم العاطفة تجاه أولادهم فيخفون العيوب بحجة أن عمر ابنهم أو ابنتهم كبر وقد يفوتهم القطار وهذا مكمن الخطر والرأس الحالقة فلا بد للأهل من السؤال بتبصر وروية عن الصحة والحياة والعشرة.
5 - على الزوج والزوجة الدقة والتأني والاستبصار في السؤال.
6 - الصدق منجاة والتكتم هاوية الحياة.
ويؤكد الدكتور المطرود في ختام حديثه أن الأمر خطير ولا نريد مجتمعاً متفككاً، أو زواجات خاسرة وأنفساً محطمة؛ فكلنا لا بد أن نسعى لإفهام أطراف الزواج بالبعد عن العاطفة المستعارة والتكتم الواهي، ولا بد من الصدق عند طلب الزواج؛ فهذا زواج وليس مزاجاً، وهذا شكر وليس سكراً، وهذا قصر وليس قبراً.
المسؤولية هنا
ويعتقد الدكتور خالد بن عمر الرديعان أستاذ علم الاجتماع أن المسؤولية يقع جزءٌ منها في إخفاء العيوب على أسرة الشاب والأشخاص الذين يتم سؤالهم عنه وعن دينه وأخلاقه؛ فهم عادة يزكونه وهم لا يعرفونه جيداً خاصة زملاء العمل والأصدقاء، وأذكر أنه جاءني والد فتاة يسألني عن طالب دراسات عليا سبق لي تدريسه، وأنه تقدَّم لخطبة ابنته وقد قلت له بالحرف الواحد: الشاب ممتاز في دراسته ومنتظم وحضوره وأداؤه جيدان وتعامله معي ومع زملائه والأساتذة راق لكني لا أعرفه خارج الجامعة، وبالتالي يجب على المزكي أن يكون أميناً فإما أن يقول ما يعرفه عن المتقدِّم أو يعتذر عن الإدلاء بمعلومات عنه، كما أنه على أهل الشاب أن يتريثوا في تزويج ابنهم إذا كان غير لائق للزواج أو لديه عيوب أخلاقية؛ فهم بذلك يورِّطون ابنة الناس به؛ مما قد يخلق مشكلات لاحقاً ربما انتهت بالطلاق وبذلك جنوا على الفتاة جناية بالغة، وأخيراً لا بد أن يضع الجميع مراقبة الله نصب أعينهم؛ فعلاقة الزواج مسألة في غاية الأهمية وتتطلب توافق جميع الشركاء عليها وأن يكون كل طرف على دراية تامة بعيوب ومزايا الشريك الآخر.
الصراحة والوضوح
ويبيِّن الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي أن من فضائل الأخلاق الأمانة والصدق والصراحة عموماً، وفي حالات الزواج خصوصاً، فالشفافية والصراحة مطلوبتان لأنه مستقبل أسرة وارتباطات عائلية واجتماعية واستقرار أسري وأبناء وأمور أخرى تظل مدى الحياة، ولهذا من الضروري أن يكون كل شيء واضحاً وعلى بيِّنة قبل الزواج حتى لا نخدع أنفسنا ونخدع الآخرين معنا وتتفجّر المشاكل والخلافات الزوجية من ذلك وتصبح مصدراً (للعكننة) وتخاصم العائلات وتصدع الأسرة نظراً لعدم تحمّل الطرف الآخر لظروف هذه المشكلة النفسية ونتيجة لعدم معرفته بها والموافقة عليها من البداية، ولهذا فإننا نرى أنه من الأفضل وضع كل الأمور بوضوح على الطاولة تماماً مثل الاتفاق على المهر وأمور الزواج الأخرى، ولهذا يجب عدم إخفاء الحقيقة عن الطرف الآخر، لكن قد يعترض البعض على هذا الرأي لأنه إفشاء لسر المريض وفضحه قبل الزواج دون داع وقد يؤثِّر على إمكانية إتمام الزواج وربما الرفض وهذا أفضل من المشاكل والطلاق بعد الزواج وإنجاب أبناء، أما إذا تمت الموافقة بعد معرفة الظروف فهذا أفضل لأن الطرف الآخر سيقدِّر هذه الصراحة والوضوح ويحترم هذه الظروف ويتفهّم الوضع وبالتالي يتصف بالتحمّل والتماس العذر للمريض مع الاهتمام والعطف والحنان ومحاولة إراحته نفسياً بالابتعاد عن المشادات والمشاجرات والخلافات الزوجية تقديراً للظروف ولهذه الصراحة وبالتالي الاستقرار الأسري.
وينصح الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بالحرص على ابتغاء مرضاة الله، ويتمثَّل ذلك في الصراحة المطلوبة في مثل هذه الأمور وحتى يكون الطرف الآخر على بيِّنة من أمره من البداية إن شاء وافق وإن شاء رفض حتى لا تبدأ الحياة الزوجية بالغش والخداع ولا يحدث ما لا يحمد عقباه من مشاكل زوجية واجتماعية بعد ذلك، وحتى يكون هناك تعاون صادق وتفاهم ودي من الطرف الآخر لاحتواء أي مشكلة، حتى يعم الاستقرار الأسري والسعادة قدر الإمكان.