د.عبدالله بن موسى الطاير
إذا قدِّر لي إعادة طباعة كتابي أمريكا التي قد تعود فإنني سوف أغيِّر عنوانه إلى أمريكا التي لن تعود إلى رشدها قبل 11 سبتمبر 2001م. ومع حلول الذكرى العشرين لتلك الأحداث الإرهابية، يؤكِّد المتابعون عن قرب لتصرفات الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن المجتمع الأمريكي وديمقراطيته تآكلا بشكل سيئ «بسبب الكيفية التي استجاب بها في الأسابيع القليلة الأولى التي تلت سقوط البرجين التوأمين». ويضيف جوليان بورقر في مقالة لصحيفة الجارديان البريطانية نشرت الجمعة أنه «كان من المفترض أن يمنح تصريح استخدام القوة العسكرية (AUMF) الذي أصبح قانونًا في 18 سبتمبر 2001، الرئيس الأمريكي الأدوات التي يحتاجها لمحاربة تنظيم القاعدة. لكن هذا القانون لا يزال يستخدم كأساس قانوني لضربات الطائرات بدون طيار والعمليات العسكرية الأخرى التي أمر بها جو بايدن في جميع أنحاء العالم، ومعظمها لا علاقة له بالقاعدة»، مؤكداً على أن هجمات 11 سبتمبر «شكّلت مرضاً مناعياً ذاتياً في أمريكا، وتسببت الاستجابة في ضرر أكبر بكثير من الهجوم الأصلي». إن من خطايا أمريكا التي تدفع ثمنها بعد عشرين سنة محاربتها كل مظاهر التدين الإسلامي من جهة، مما أدى لخلق بيئة داعمة لتفشي الأصولية المسيحية واليهودية دينياً وعرقياً من جهة أخرى، وهو الذي أوصل أمريكا إلى هذا المستوى من الانقسام، بل كان المحرك الأساس لغزوة 6 يناير 2021م.
إن السمعة السيئة التي تلطخت بها صورة أمريكا الذهنية بسبب التعذيب في معتقل غوانتنامو، وسجن باغرام في أفغانستان، وأبو غريب في العراق، وخطف الناس من الشوارع الأوروبية وغيرها، وإيداعهم سجوناً سرية حول العالم، شكّلت تصرفات غريبة ومستهجنة على أمريكا التي كانت تعلِّم الناس الديمقراطية وحقوق الإنسان. وبانسحابها من أفغانستان تثبت أنها خسرت بحرب الثأر من الإرهابيين أكثر من خسارتها بسبب الهجمات.
الدندنة السنوية على المزاعم بعلاقة سعودية رسمية بأحداث 11 سبتمبر، هي إلهاء للرأي العام وتجنب الخوض في مسببات الفشل الحقيقي للأجهزة الأمريكية التي عجزت عن التصدي للعملية الإرهابية قبل وقوعها. آخر المنشطات التي ضخت في شرايين الذكرى السنوية لأحداث 11 سبتمبر تمثَّلت في توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن مرسوماً تنفيذياً يقضي برفع السرية عن 28 صفحة من تقرير المحققين في تلك الأحداث. والمطالب البرلمانية من نواب وشيوخ من الديمقراطيين خاصة كانت من أجل اطلاع الأمريكيين على مكامن الضعف المعلوماتي والأمني الذي جعل أمريكا تؤخذ على حين غرة، ولم تكن بالضرورة للبحث عن دور سعودي ليس موجوداً في الأساس.
التحقيق الجرمي الشفاف سيحمّل الإدارة الجمهورية المسؤولية لتجاهلها عدداً من التحذيرات الجادة التي وصل بعضها مبكراً ولم تُؤخذ بجدية، كما أن الشفافية في التحقيق وإعلان النتائج سوف تجيب عن أسئلة مهمة وخطيرة لا يليق بدولة مثل أمريكا تجاهل الإجابة عنها؛ أجواء أمريكا المزدحمة بالحركة الجوية في فترة الصباح تجعل من غير المقبول خروج طائرات عن مسارها ولمدة تصل إلى 45 دقيقة دون تنبه المراقبة الأرضية إلى أن هناك خطر ما على حياة الركاب. كما أن المتابع للدقائق الأولى للهجمات من خلال القنوات المحلية قد لاحظ ارتباكاً أمنياً في نقل المعلومات، حيث مر وقت معتبر دون معرفة ما جرى سوى من شهادات حملتها الاتصالات التلفونية بالقنوات التلفزيونية بعضها تتحدث عن طائرات صغيرة وأخرى عن طائرات تجارية كبيرة.
وأبجديات التحقيقات الاحترافية تسأل عن المستفيد ودوافعه، وبكل تأكيد فإن المملكة لم تكن مستفيدة لا رسمياً ولا شعبياً، ولو كانت مستفيدة مما جرى لما أرسلت سعوديين للقيام بتلك المهمة القذرة، ولكن هناك مستفيد هدف إلى هلاك الأصدقاء ببعضهم، فوجه ضربة مزدوجة لأعدائه السعوديين والأمريكيين وقد نجح في ذلك. وقد كشف كتابي والزميل جيمس موور (حرق الشيطان) العلاقة بين الفاعلين المحتملين وأعني بهم القاعدة والحرس الثوري الإيراني، وحزب الله.
بدون شك أن حالة الانقسام التي يمر بها المجتمع الأمريكي تجعل الديمقراطيين يحاولون الهرب من تبعات الخروج الفوضوي من أفغانستان، ويجدون في تغذية الكراهية للسعودية متنفساً لصرف الرأي العام عن فضيحة أفغانستان، وتوظيف الذكرى الأليمة، ومشاعر عائلات الضحايا للنيل من الجمهوريين الذين حدثت في عهدهم هجمات 11 سبتمبر، وبالطبع اتهامهم بالتستر على دور مزعوم للسعودية.
الأمريكيون بلونيهم السياسيَين والأيديولوجيَين لا يفرقون بين السعوديين على اعتبار حاكم ومحكوم ومحافظ وليبرالي، وماض وحاضر، الجميع في سلة واحدة، وخصوصاً بعد أن انهالت عليهم معلومات ضخمة عن التدين «السعودي» واعتباره سبباً في انتشار الإرهاب في العالم، وهي معلومات خرجت من بعض وسائل الإعلام العربي المنافس. السعوديون ضحايا مثلهم مثل الأمريكيين، ولو تم التعامل مع تلك الأحداث بنية الوصول إلى المقاول الحقيقي لكانت عشرين سنة كافية لذلك.