عبده الأسمري
بين طرفي «القيم» و»الشيم» كتب جملته الفعلية من «فعل» الأثر معتلياً «صهوة» التقييم متوشحاً «أمانة» القلم ومرجحاً «مكانة» العلم.. ليكون «الضمير المتصل» لأفعال «التأثير» و»المصدر الصريح» لامتثال «التطوير»..
مسجوع بمهنية قارع بها «خصوم» المعرفة ومشفوع بإنسانية أسعد فيها «زملاء» الحرفة..
سليل «ثقافة» و»أصيل» حصافة.. غاص بحور «الشعر» فاصطاد لالىء القصائد بموهبة خاصة ووزن فريد.. وجال في ميادين «الأدب» فجنى جواهر العوائد بمهارة ذاتية وفن سديد..
إنه الأديب الراحل أحمد البهكلي رحمه الله أحد أبرز الشعراء والأدباء ورجال التعليم والثقافة في الوطن..
بوجه جازاني الملامح وتقاسيم جنوبية يتقاطر منها «التهذيب» تطغى عليها «علامات» المشيب وتسمو فيها صفات «الطيب» مع طلة باهية زاهية توسمت بالنقاء الذي يعكس صفاء سريرته ونقاء سيرته وعينان تمتلآن بالسمت وشخصية وقورة تتكامل أدباً في الحديث وحباً في الاستماع.. وهندام وطني يعتمر البياض وكاريزما مألوفة تتسم بالتواضع والزهد والإنصات ولغة فريدة سديدة تنبع منها مؤثرات «الفصحى» وتسطع فيها تأثيرات «الحسنى» وعبارات لغوية فاخرة تعكس «إرث» عميق من الفصاحة وكلمات موزونة تتزين بالسجع والجناس تكاد ترى بالبصر.. وخطاب قويم يتصف بالفصل والنبل قضى البهكلي من عمره «عقود» وهو يملأ القاعات بمكانة «الأكاديمي» ويبهج المناصب بتمكين «الريادي» وينصر الثقافة بتمكن «المبدع» ويعين العابرين على «دروب» الاجتهاد بخبرة «الأخ الأكبر» وينشد للحياة «قصائد» التجارب.. ويترك للأجيال «عوائد» المشارب في متون «التعليم» وشؤون «الحكمة» وشجون «الأحاديث» وفنون «المعاني» وأبعاد «التفاني».
في أبو عريش المحافظة الحالمة ولد عام 1373 وسط عائلة عريقة مديدة الارتباط بالقضاء سديدة الانتماء للمعارف وتناقلت البيوت «المتواضعة» الأنباء «الفاخرة» عن قدومه واحتفلت أسرة «البهاكلة» بقدوم ضيف جديد وانطلقت «الأهازيج» الجازانية و»الأناشيد» العريشية في «احتفال» بهيج موشح برياحين «الفرح» وموسم بمضامين «البهجة».
تفتحت عيناه «صغيراً» على والدين كريمين أشبعا قلبه بهدايا التربية وعطايا التوجيه وظل يستمع إلى «اللقاءات» الأولى في منزل أسرته التي رصدت «الاهداءات» المثلى لتاريخ النبلاء والفضلاء في أرض المخلاف السليماني فاكتظت ذاكرته الصغيرة بسمو «المعرفة» ورقي «التنشئة»..
ركض البهكلي طفلاً مع أقرانه منتشياً روائح «الفل» الجازاني و»الكادي» العريشي وتعتقت نفسه باكراً بروائح «الطين» في حقول قريته ولوائح «الطيبين في مناقب عشيرته وأطلق ساقيه صغيراً نحو مرابع «البسطاء» ليتعلم منهم «الخلطة» الأولى للفضل وأقام بين «مواطن» الفقهاء ليفهم منهم «السلطة» المثلى للعدل..
كان البهكلي يدون في صفحات «كشكوله» نصوص شعراء المدينة يميناً وفصول أمنيات نفسه يساراً موائماً بين قطبين من المنافع والدوافع.. مفضياً إلى «أقاربه» حديثاً ذا «بلاغة» وقولاً ذا «نباغة» فكانت «البصائر» تتجه إلى «المصائر» المبهجة لمشروع «أديب» مؤدب قادم إلى «ميدان» الشرف بحظوة «البراءة» وماكث في «مقام» الفخر بسطوة «اللغة»..
تلقي البهكلي تعليمه الابتدائي في مدارس جازان والرياض وأكمل مرحلتي المتوسطة والثانوية في مدينة أبها ثم انتقل إلى مدينة الرياض ليكمل تعليمه الجامعي في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود وحصل منها على درجة البكالوريوس في اللغة العربية عام 1396 وعمل بعد تخرجه معلما في معهد الرياض العلمي لمدة خمس سنوات من عام 1397 حتى عام 1401 وفي عام 1402 عمل معيداً في جامعة الملك سعود في معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وابتعث إلى جامعة إنديانا بأمريكا وحصل على ماجستير في اللغويات عام 1406.. عاد بعدها إلى أرض الوطن مبتهجاً بكفاحه وكان ينوي العودة لإكمال دراسته إلا أنه امتثل براً ووفاءً لرغبة والده الذي طلب منه إلغاء فكرة السفر وفي عام 1407 انتقل إلى كلية المعلمين بجازان محاضرا ثم إلى كلية المعلمين بالرياض محاضراً ورئيساً لقسم اللغة العربية من عام 1408 حتى عام 1412 وفي عام 1412 كلف عميداً لكلية المعلمين بجازان واستمر فيها حتى أواخر عام 1424 وأثناء هذه الفترة التحق ببرنامج الدكتوراه في جامعة الملك سعود وظل يكافح وينافح رغم مشاغله وأعماله حتى أنجزها ولكنه لم يتمكن من مناقشتها لانتهاء الفترة الزمنية للدراسة في الجامعة. وبعد انتهاء عمله بالعمادة التحق ببرنامج دكتوراه بقسم البلاغة بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود وقبل أن ينهي السنة المنهجية صدر قرار معالي وزير التربية والتعليم حينها بتكليفه مديراً عاماً لتعليم البنات بجازان عام 1426.. ففضل خدمة وطنه على رغبته الخاصة وضحى بدرجته العلمية وظل يدعم الآخرين في حصولهم على «الدرجات» العلمية في «إيثار» نفيس..
للبهكلي مهارات وأعمال وجهود كبيرة وبصمات مضيئة في اتجاهات الإعلام والصحافة حيث عمل محرراً في مجلة الفيصل عام 1398 وأشرف على صفحة الثقافة والأدب في صحيفة المسلمون عامي 1409 و1410 وكان له عمود أسبوعي فيها ورأس تحرير مجلة «مرافئ» الصادرة من النادي الأدبي بجازان في الفترة من 1419 وحتى 1426 كما ترأس حولية كلية المعلمين بجازان ودورية الإدارة المدرسية وشارك في عشرات البرامج في إذاعة الرياض.
وفي مجال الأدب كلف نائباً لرئيس نادي جازان الأدبي وأنشأ «اثنينية» النادي وشارك في عدد من الأمسيات وفعاليات الصوالين الأدبية وعمل عضواً في لجنة المشورة الخاصة لمهرجان الجنادرية لأكثر من دورة وشارك في أمسياته وشارك في عدة مؤتمرات ومحافل.. وفي الجانب الاجتماعي فهو عضو مؤسس في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في جازان وتولى الإشراف على فرعها منذ إنشائها عام 1426 حتى وفاته. ولديه عضويات مختلفة في جوائز وجمعيات ولجان.
البهكلي شاعر متمكن وأديب مكين صدرت له ثلاثة دواوين شعرية مطبوعة وأربعة دواوين أخرى مخطوطة وكتب العديد من النقاد عن تجربته الشعرية وترجم له في عدد من المعاجم والدراسات الأدبية وتم تكريمه ونال عديد من الجوائز في مناسبات ثقافية وأدبية في المملكة وخارجها.
انتقل البهكلي إلى رحمة الله يوم الأربعاء 25 أغسطس عام 2021 وووري جثمانه مسقط رأسه في مدينته أبو عريش وانتفضت منصات «التأبين» و»اتجاهات» النعي بعد رحيله في وصائف «الذكر» ووصوف «الاستذكار» وبكته الأعين ونعته القلوب وودعته الأنفس في رسائل ووسائط كان عنوانها «الحزن» وتفاصيلها «الوجع»..
أحمد البهكلي.. القيادي الأمين والأديب المكين أبيض «القلب» طاهر «الذكرى» حكيم «المجالس» عضيد «المحتاجين» داعم «المبدعين» الذي عبر «محطات» العمر بأسرار المهارة وعلانية الموهبة وجهر المسيرة التي دوت في «صدى» الاقتداء وترددت في «مدى» الاحتذاء..