خالد بن حمد المالك
مدخل:
قبل أن أتحدث عن مهرجان الموسيقى العالمية في فاس، لا بد لي أن أذكركم بما تتميز به هذه المدينة التي تستضيف هذا المهرجان من تاريخ مشع، وحضارة خالدة، وثقافة واسعة، وعلوم متميزة، فهي إحدى المدن المغربية الكبرى الزاخرة بالتراث والتاريخ، يبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة، وفقًا لإحصاء عام 1999م، وقد أسسها إدريس الثاني وجعلها عاصمة للدولة الإدريسية عام 177هـ - 793م، لكن الاستعمار الفرنسي ألغى أن تكون عاصمة للمغرب، ونقل العاصمة إلى الرباط.
* *
كانت مدينة فاس مقسمة في الماضي إلى مدينتين مسورتين مستقلتين، وهي بالمناسبة أقدم المدن المغربية الأربع التي كانت عواصم المغرب في الماضي، ويوجد بالمدينة أقدم مسجد في المغرب العربي وأقدم جامعة في العالم - جامعة ومسجد القرويين - وتصنف المدينة بحسب اليونسكو كموقع للتراث الإنساني العالمي، وتتميز باحتفالاتها ومهرجاناتها ومؤتمراتها الدولية في المجالات الثقافية والعلمية والفكرية والدينية والسياسية.
* *
ومما يعرفه البعض عن فاس، ولا بأس من تذكير البعض الآخر ممن لا يعرفه أنها تتربع على عرش المطبخ المغربي الذي يأتي في المرتبة الثانية عالميًا بعد المطبخ الفرنسي، حيث نكهات التوابل، والتركيز على الخضار والفاكهة المطبوخة مع اللحم أو الدجاج، ويعد (الطاجن) و(الكسكس) أشهر الأسماء في عالم الطبخ المغربي، ويقام في فاس مهرجان للطبخ في شهر أكتوبر من كل عام، حيث يجتمع أمهر الطباخين من مختلف دول العالم مع الطباخين المغاربة لإعداد أشهى الأطباق المغربية التقليدية، مع إضافات من المطابخ العالمية.
* *
وفي فاس بيوت للشاي، حيث يتمتع إبريق الشاي الأخضر بالنعناع باهتمام وعناية في كل بيت من بيوت فاس، إلى جانب ما تزخر به فاس من بيوت للشاي «مقاهٍ» في الأحياء، ويلاحظ أن الطابع الفاسي يسود في مقاهي الشاي، وقد صممت المجالس المغربية بحميمية ودفء، وعناية فائقة بالديكور، إلى جانب الإضاءة والزخرفة، بحيث يشعر المرتاد لهذه المقاهي وكأنه في بيته.
* *
وكما هي مقاهي الشاي الأخضر، فإن مطاعم فاس تتميز هي الأخرى بـ(الأبهة) حيث الأطباق الشعبية، ففاس واحدة من المدن القليلة في العالم التي تعيش عرسًا يوميًا، ومهرجانًا صاخبًا من الأكشاك، والعربات، والدكاكين، في الحارات، والأزقة الضيقة، كما في الساحات العامة والخاصة التي تحتفل بعرس الطعام على أكمل وجه.
* *
وعن مدينة فاس وجامعة القرويين، يقول الدكتور عبدالحق عزوزي الذي يسكنها وترعرع فيها، عن جامعتها الأشهر عالميًا: إذا عرفنا أن جامعة بولونيا (إيطاليا) أسست عام 1119م وجامعة أكسفورد (بإنجلترا) سنة 1229م وجامعة السوربون (فرنسا) سنة 1257م إذا عرفنا كل ذلك قدرنا إذًا ما أكده بندلي جوزي (ت 1942م) من أن أقدم جامعة في العالم ليست في أوروبا كما يظن، بل في إفريقيا، في مدينة فاس، - ويقصد جامعة القرويين- لهذا لا نستغرب عندما تكون هذه المدينة مقصدًا لكل من يبحث عن العلم والثقافة والموسيقى، حيث يجدها تحت سقف واحد.
* *
هذه بعض المعلومات المختصرة التي انتقيتها من بعض ما قرأته لكم عن فاس كمدخل لحديثي القادم عن مهرجان (الموسيقى العالمية في فاس) الذي دُعيت لحضوره، وأذهلني ما شاهدته، واستمعت إليه، واستمتعت به، وأعجبتني فكرته، وتنظيمه، وتفاعل الناس معه، فقد كانت ليالي عامرة بكل أنواع الموسيقى، ينشدها ويغنيها مشاهير الغناء والموسيقى وأشهر العازفين في العالم.
* *
شكرًا لمن دعاني إلى هذا المهرجان، ولمن وضع هذه المعلومات بين يدي للتعرف على هذه المدينة التاريخية الزاخرة بالتراث.
- يتبع