منصور ماجد الذيابي
شهدت الساحة الأفغانية قبل نحو شهرين تقريباً ولا زالت تشهد أحداثاً دراماتيكية متسارعة تمثلت في سقوط الولايات الأفغانية تباعاً على يد الحركة الطالبانية، ثم الزحف باتجاه العاصمة كابل، حيث أحكمت قوات الحركة قبضتها على المدينة بعد تطويقها وحصارها، وبالتالي دخولها من بوابة القصر الرئاسي دون أية مقاومة مسلحة من قبل قوات النظام الحاكم نتيجة لهشاشة القوات النظامية واستسلام قيادات الجيش الأفغاني أمام الزحف العسكري الكاسح لقوات طالبان، حتى أن رئيس البلاد أشرف غني كان قد فرّ من العاصمة على وقع هدير المدافع وأزيز الرصاص متجهاً إلى الامارات العربية المتحدة, وذلك حقناً للدماء الأفغانية وفقاً لوصفه، كما ورد في بيان له نشرته وكالات أنباء ووسائل اعلامية أخرى.
وما أن دخلت قوات طالبان العاصمة حتى سارعت الولايات المتحدة بالإعلان عن عزمها سحب قواتها من البلاد الأفغانية بعد عشرين عاماً من الهجوم الجوي للقاعدة على مدينة نيويورك الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر أيلول عام 2011م.
وبعد أيام من سقوط العاصمة كابل أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية أخرى إطلاق عملية إجلاء رعايا البعثات الدبلوماسية وعناصر القوات العسكرية هناك، اضافة لعدد كبير من الأفغان المتعاونين مع القوات الامريكية والراغبين بمغادرة افغانستان بعد احكام طالبان سيطرتها على الأرض الأفغانية وفقا لاتفاق مع قادة الحركة ينص على انهاء الوجود العسكري الأمريكي واجلاء المدنيين خلال مهلة زمنية أقصاها نهاية شهر أغسطس آب 2021م.
وبالفعل أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية اكتمال عملية انسحاب قواتها من أفغانستان بعد أن تكبّدت خسائر بشرية فادحة عقب هجوم انتحاري استهدف عناصر فرقة أمريكية بالقرب من مطار حامد كرزاي, وأودى بحياة اثني عشر جنديا أمريكيا. كما خسرت الولايات المتحدة الأمريكية عتادا عسكريا ثمينا استولت عليه طالبان من فلول الجيش الأفغاني تقدّر قيمته بنحو 80 مليار دولار أمريكي وفقاً لتقديرات خبراء أمريكيين.
وفي غضون ذلك تباينت ردود أفعال الدول الأوروبية وروسيا والصين وأمريكا ودول الجوار الأفغاني حول عودة طالبان لمسرح الأحداث بعد مضي عقدين منذ وضعها في أعلى قائمة الولايات المتحدة الامريكية للحركات الارهابية في العالم.
وعموما فإن اهتمام الدول الكبرى بأفغانستان لا ينبثق عن كونها دولة غنية بالذهب أو الفوسفات أو النفط والغاز أو أي ثروات طبيعية أخرى.
فهي دولة فقيرة اقتصاديا ولا تملك أي موارد اقتصادية لكن مبعث الاهتمام العالمي بالأزمات والصراعات الأفغانية انما يتمحور حول مخاوف اتساع دائرة الصراع هناك الأمر الذي يثير قلق الدول الكبرى مثل روسيا وأمريكا من تسلل عناصر مسلحة من داعش والقاعدة عبر الحدود الأفغانية مع روسيا وطاجاكستان وأوزباكستان وتركمانستان، وبالتالي تهديد الأمن القومي ومصالح الدول الكبرى هناك.
وبالرغم من أن بعض الدول المجاورة كانت تعوّل على قوّات المقاومة التي تشكّلت خلال الأحداث الأخيرة للقضاء على حركة طالبان الا أنّ المقاومة التي يقودها أحمد شاه مسعود وتتمركز في ولاية وادي بنجشير لم تتمكن رغم الدّعم الخارجي من الصمود أمام ما تمتلكه الحركة من نفوذ وعتاد عسكري لا سيما وأن قوّات مسعود لا تحظى بتأييد شعبي واسع في الداخل الأفغاني، فكان أن أعلن مسعود بنفسه استيلاء قوات طالبات على ولاية وادي بنجشير.
وكنت أوضحت بعضاً من أسباب اندلاع الصراعات المسلّحة وأسباب دخول قوات أجنبية إلى دول مثل افغانستان والعراق وغيرها بحجة محاربة الارهاب كما ذكرت في مقال سابق بعنوان « الموصل.. وشعار الحرب على الارهاب»، أو بحجج أخرى واهية تجعل هذه الدول الغازية كإيران وروسيا وتركيا وأمريكا مثلاً تعتمد سياسة زعزعة الاستقرار كما ذكرت أيضاً في مقالات سابقة بعنوان «ماذا بعد اشعال الحرائق في الشرق الأوسط»؟, و»تركيا والاستثمار بالقدرات العسكرية في الأزمات الإقليمية».
لذلك فإنني أتساءل من هذا المنبر: من هو المستفيد من هذه الحروب, ومن يقف خلف تفجير الصراعات واندلاع الثورات في دول مثل افغانستان وليبيا والعراق واليمن وسوريا وغيرها! أوليست أمريكا وروسيا وايران وتركيا من ضمن مجموعة دول استعمارية تسعى دوما لزعزعة الأمن والاستقرار السياسي, ثم التغلغل عسكريا عبر إشعال الحرائق في بلدان عربية واسلامية؟! من فرض ويسعى لفرض هذا الواقع على بلدان عربية واسلامية كانت آمنة مستقرّة قبل دخول قوّات المرتزقة إليها؟