اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
وأحدثكم اليوم في مقالي هذا، عن التاريخ الأسود لشيعة فارس ضد العرب عامة، وأهل السُّنَّة خاصة، إذ يلاحظ كل مراقب لمسرح السياسة في العالم، لاسيَّما في الشرق الأوسط، تنامي نفوذ إيران إثر ثورتها الإسلامية المزعومة التي قادها الخميني (الولي الفقيه) عام 1400هـ/ 1979م؛ وسياسة إيران المتطرفة في تصدير ثورتها للعالم طوعاً أو كرهاً، خاصة للعرب في الخليج العربي.
وقطعاً، لا يعدو هذا الأمر أن يكون ترسيخاً لنزعة إيران الاستعمارية، حتى قبل الدولة الساسانية التي احتلت العراق، بل ضمت إليها بعض أجزاء من الشام، واتخذت من المدائن عاصمة لها، حيث بقي الفرس إلى أن أدخلهم العرب الإسلام عنوة، مما حدا بهم للتلفُّح بمذهب التشيع لآل البيت، وهم يخفون في جوف تشيعهم هذا أساطير ومعجزات وخرافات وحركات شعبوية وثورات غوغائية مناوئة للعرب خاصة، وللسُّنَّة عامة، سعياً للانتقام من العرب ورد اعتبارهم، وتحقيق ريادتهم في المنطقة التي عجز الشاه قبلهم عن تحقيقها، مع كل ما بذله من جهد حثيث لاستعادة مجدهم الغابر.
ومن نافلة القول إن العراق خاصة، كان قدرها صعباً مع الفرس، إذ كانت على الدوام وجهتهم الأولى، وبوابتهم الرئيسة لاحتلال أرض العرب. فكل من حكم إيران، من البويهيين إلى الأكاسرة والساسانيين والسلاجقة والصفويين الذين يُعَدُّون أول من أدخل النفوذ الغربي منطقة الخليج العربي؛ بل منذ بداية التاريخ، كانت العراق أول هدف لإيران عند تفكيرها في توسيع نفوذها، فمنهم من احتلها فعلاً، ومنهم من سيطر على أجزاء منها، ومنهم من تحرش بها وحاصر مدنها حتى اضطر أهلها لأكل الجيف... إلخ.
أجل، كانت العراق على الدوام هدفاً ثابتاً في عقلية صانع السياسة الفارسية منذ بداية التاريخ، على أساس أنها تشكل مدخلاً مهماً لالتهام بقية الدول العربية، لاسيَّما دول الخليج العربي، ومن ثم نهب ثرواتها، وجعلها سوقاً رائجة لكل ما تصدره إليها دولة (الولي الفقيه) من غث وسموم. ولهذا حسناً فعل العرب، خاصة الخليجيون، عندما دعموا صدام حسين بقوة لكي يصمد طيلة ثماني سنوات عجاف (80 - 1988م) في حرب ضروس ضد إيران، لأنه كان يحمي البوابة الشرقية للأمة العربية من الفرس الصفويين؛ غير أنه للأسف الشديد فاجأنا أو قل (كافأنا) باحتلال الكويت فجر الحادي عشر من المحرم عام 1411هـ، الموافق الثاني من أغسطس عام 1990م؛ وما ترتب على تلك الحادثة المؤسفة المؤلمة الموجعة حقاً في تاريخ العرب الحديث من تداعيات، قادت صدام إلى حبل المشنقة، وعادت بالعراق القهقرى إلى عصور ما قبل التاريخ، ليقدمها الأمريكيون في نهاية المطاف لقمة سائغة للإيرانيين على طبق من ذهب. بالطبع، فضلاً عمَّا ترتب على العرب عامة وأهل الخليج خاصة، من تداعيات ما يزال الجميع يبذل غاية جهده للسيطرة عليها من خلال العودة بسياسة المنطقة إلى مسارها الصحيح.
أجل، مطامع الفرس في العراق والشام وفلسطين قديمة قدم الدولة الإيرانية نفسها، منذ أيام الأشوريين والبابليين والأكديين الذين حكموا العراق، إذ كانت العلاقة بين إيران وبين العراق خاصة، علاقة كر وفر، لاسيَّما حروب الأكاسرة الفرس الذين سادوا بقية قبائل إيران وأصبحت لهم السطوة والسلطة والحظوة على البلاد والعباد، فعاثوا في بلاد العرب فساداً شنيعاً.
أجل، خبث شيعة فارس وتعاونهم من قديم مع اليهود والصليبيين والمغول و(تقيتهم) لالتهام دول المنطقة، موثقة في كتب التاريخ، إذ خططوا منذ أيام الدولة العباسية لإقناع الخليفة المأمون لجعل ولاية العهد لعلي الرضا لكي يستتروا خلفه فينقضوا على الحكم. وقد عانى العباسيون كثيراً من الحركات الفارسية والثورات التي لا تمت للفكر الإسلامي بصلة من قريب أو بعيد، واستمر الحال كذلك حتى ضعفت سلطة العباسيين أو قل تلاشت تماماً، ولم يبقَ للخليفة العباسي من سلطة أو هيبة غير اسمه.
أجل، من يتأمل تاريخ إيران وجغرافيتها السياسية، وحقيقة فكر معمعميها، لا بد له أن يخلص إلى أن فكرة تصدير ثورتها المزعومة إلى العالم العربي، كانت حاجة اقتصادية في المقام الأول، أكثر منها دافعاً دينياً لنشر الإسلام وتحكيمه، ومحاربة العلمانية وطرد الاستعمار الغربي من بلاد المسلمين، وتحرير فلسطين واستعادة بيت المقدس من براثن اليهود كما يدعون (تقية)، بل اضطرت إيران لكي تتلفح بعباءة الإسلام لتحقيق أهدافها الاقتصادية التي تفضي بها في نهاية المطاف لتحقيق هدفها الأسمى من سيادة الجنس الآري.
فأمريكا هذه التي ترى فيها إيران (شيطاناً أكبر)، هي أمريكا نفسها حاضنة دولة العدو الصهيوني التي ينادون بالموت لها نهاراً جهاراً، ثم يصافحونها ليلاً، بل يشدون على يديها، ويطلبون منها المال والسلاح والتقنية مقابل تزويدها بالنفط، والاتفاق معها على اقتسام العراق التي يرى فيها كل واحد منهما قوة حقيقية تهدد وجود كليهما.. وليس فضيحتا إيران - كونترا وإيران - قيت ببعيدتان عن الأذهان. بل أكثر من هذا: اتهمت أمريكا إيران مراراً بأنها أكبر راعٍ للإرهاب، مؤكدة أنها أحد دول محور الشر مع العراق، كوريا الشمالية والسودان. ومع هذا، لم تتأثر التجارة بين البلدين، مهما علت نبرة السياسة من هذا الطرف ضد ذاك أو العكس. ولهذا لا أحد يستغرب اليوم مما قدمته إيران لأمريكا من شيك على بياض لتعاون مفتوح لأقصى مدىً ممكن في حربها أثناء الغزو الأمريكي للعراق 1424هـ/ 2003م، لاسيَّما في مناطق تواجد السُّنَّة لتهجيرهم وإحلالهم بشيعة من العراق وإيران أيضاً. ولهذا كانت إيران الرابح الأكبر من تلك الحرب، لأن إحكامها السيطرة على أمر العراق بهذا الشكل الذي نشهده اليوم، يمثل الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل لبسط نفوذها على دول المنطقة حسب زعمها.
لكن بالمقابل، هلمُّوا نسترجع الحياة في الإمبراطورية الفارسية الساسانية إثر سقوطها في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي أجرموا في حقه كثيراً، وظلموه ظلماً شنيعاً، ربَّما أكثر مما وقع على الحسين من ظلم: بسط المسلمون فيها العدل، وحكموها بأفضل مما حكمها ملوكها وأكاسرتها وأباطرتها، إذ شهد شاهد من أهلها أن المسلمين لم يقتلوا على الهوية كما فعل شيعة فارس في العراق، ولم يسبوا النساء أو يهتكوا أعراضهن، أو يتلفوا الزرع، أو ينهبوا الثروات، أو يستعبدوا الناس وهم أعلم خلق الله بأن أمهاتهم قد ولدتهم أحراراً،؛ فالفاروق عمر الذي يصفه شيعة فارس بتلك الأوصاف التي يربأ المسلم عن ذكرها، هو نفسه صاحب تلك المقولة الشهيرة التي ما زال صداها يتردد في الآفاق، بل سيبقى كذلك إلى الأبد: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!).. فحاشا لرجل مثله أن يأتي ما ينهي عنه بشدة.
وبالمقابل أيضاً، نجد أنه ثمَّة تناقض عجيب غريب في فكر عرَّاب ثورة إيران، ففي حين نادى الخميني بضرورة بسط العدل ومحاربة الفساد وترك الخيار للشعب لاختيار من يحكمه، وضرورة استقاء الأحكام من الشريعة الإسلامية، نجده هو نفسه بشحمه ولحمه وعظمه ودمه، الرجل الذي أسس لولاية الفقيه التي تجمع سلطات الدولة كلها في قبضة الولي الفقيه الذي يحكم البلاد نيابة عن الإمام الغائب، دون أن يحق لأحد مراجعته في أي شأن من شؤون الدولة والأمة، وهذا مجرد قيض من فيض.
أقول: من قديم كانت عين إيران على العراق، نافذتها الأساسية الإستراتيجية للدخول إلى المنطقة العربية لتحقيق أهدافها السياسية الاقتصادية القومية، متلفحة بعباءة مذهب التشيع لآل البيت، وقد تعاونت مع الغرب، وما زال هذا التعاون الوثيق الذي يحقق تبادل المصالح للطرفين، لاسيَّما لأمريكا وإسرائيل قائماً حتى اليوم على قدم وساق، إذ ليس ثمَّة شك أن الدولتين كانتا على توافق تام مع معمعمي إيران لإسقاط الشاه الذي فقد البوصلة، وبدا عاجزاً عن مواصلة دوره شرطياً مخلصاً أميناً لحماية مصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة، واستبداله بثورة الخميني. وقد ظهر هذا التعاون الوثيق جلياً في دعم إيران لهما في أفغانستان وفي العراق والبلاد العربية؛ وما لعبة (الشيطان الأكبر) و(محور الشر) إلا غطاء لذر الرماد في العيون عن تلك المياه القذرة النتنة التي تتسرب تحت الجسر.
بل يبدو أن العقلية الإيرانية والعقلية اليهودية الصهيونية الاستعمارية، تفكران بالأسلوب نفسه، إذ مثلما نجحت إيران في طمس هوية إقليم الأحواز العربي وتفريسه عن طريق تهجير كثير من سكانه العرب واستبدالهم بآخرين من القومية الآرية والآذارية، إضافة لاستبدال أسماء المدن والشوارع والساحات العربية بأخرى فارسية، كذلك فعلت دولة الاحتلال الصهيوني مع مدن فلسطين وشوارعها وساحاتها، بل شمل الأمر حتى مواقعها الإسلامية التاريخية التراثية التي يفوح منها عبق تاريخ العرب المشرق المجيد.
وقطعاً، لا بد لهذا السرد أن يستدعي إلى الذاكرة تعاون الفرس مع اليهود منذ إقدام أبو لؤلؤة فيروز المجوسي على قتل الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب، كما يؤكد هذا حديث كعب الأحبار للفاروق قبيل مقتله: (إني أرى مقتلك في التوراة)، فكيف تنبأ هذا بمقتل الخليفة الراشد الفاروق عمر إن لم يكن شريكاً أصيلاً في تلك الجريمة البشعة، أو قل على الأقل عنده من سبأ نبأ يقين؟!.
وصحيح أن أمريكا وإسرائيل دعمتا إيران كثيراً، وقدمتا لها العراق على طبق من ذهب كما تقدم؛ ومن جانبها انتهزت إيران الفرصة للتوغل بعيداً في سوريا ولبنان واليمن لتعيث فساداً وفتناً عمياء، بل وصلت السودان في عهد النظام السابق ليظهر مفهوم الحسينيات لأول مرة في تاريخ السودان، ثم واصلت مخططها لتصل إلى شمال أفريقيا، فأفريقيا السمراء لتقفز بتأثيرها إلى أمريكا اللاتينية، ناثرة خراباً ودماراً هنا وهناك حيثما حلت ركابها.
وصحيح أن أمريكا ودولة الكيان الصهيوني تسعيان حثيثاً لاستغلال إيران في تفتيت المنطقة لدويلات صغيرة عرقية، إثنية وطائفية لتحقيق حلم دولة الكيان الصهيوني بشرق أوسط كبير تكون فيه هي رأس الحربة قيادة وتخطيطاً وتحقيقاً لحلم إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر، مقابل دعم إيران أيضاً في تحقيق حلمها في هلال شيعي يكون نواة لإمبراطورية فارسية جديدة.
وصحيح أن إيران عاثت في كثير من دول العرب فساداً وأشاعت الموت والدمار والخراب، وتحتل اليوم ثلاث جزر لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتتحرش بالبقية. فكلنا نذكر، بل لن ننسى أبداً مهاجمة الإيرانيين للسفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، في اعتداء سافر على ميثاق العمل الدبلوماسي، كما دأبت إيران منذ سنوات على اتخاذ موسم الحج لبيت الله العتيق سانحة مؤاتية لترديد شعارات خاصة بسياستها، دعاية رخيصة مبتذلة لمشروعها المذهبي التوسعي الاقتصادي، محاولة عبثاً إقناع المسلمين أن مرشدها الأعلى هو المرجع الوحيد للأمة الإسلامية، مخالفة بسلوكها هذا أمر الله عزَّ و جلَّ بعدم الرفث والفسوق والجدال في الحج؛ ويبدو أنها تعاني لوثة أضغاث أحلام بالريادة والسيادة على العالم الإسلامي، مع أنها هي نفسها أول من يدرك أنها غير مؤهلة لمهمة عظيمة شرَّف الله بها أرض الحرمين الشريفين دون غيرها من سائر بلاد الله الواسعة.
وصحيح أن إيران هذه ستظل إلى الأبد مستودع بارود ربَّما يشعل المنطقة كلها إن لم نعمل جادين لوضع حد لها ولسلوكها التوسعي الاستبدادي الاستفزازي.
وقطعاً كل ما تقدم صحيح، لكن صحيح أيضاً أن السعودية درجت على التعامل مع إيران دوماً بروح التسامح والصدق، حرصاً على مصالح المسلمين والمحافظة على وحدة الأمة الإسلامية واستقرار المنطقة، غير أن دولة الولي الفقيه تحرص على تعاملها مع دولة الرسالة السامية العظيمة بحذر شديد، لأن لها (تقية) تدرك يقيناً أن السعودية لن تسمح لها بتحقيقها بالتي هي أحسن، أو حتى بالتي هي أخشن إن كان لا بد من ركوب الصعب.. وليس عاصفة الحزم التي شنتها السعودية لكبح جماح أطماع الفرس في اليمن ببعيدة عن الأذهان، بل هي شاهد موثوق على قدرة السعودية -بعون الله وتوفيقه- على وضع حد حاسم رادع لكل من يتجاوز خطوطها الحمراء التي هي معروفة لدى الجميع بالضرورة.
وصحيح أيضاً أن شيعة دول الخليج الذين هم على مذهب التشيع العربي الحقيقي الأصيل، الذي يؤمن يقيناً بأن توحيد الله هو أساس كل عمل صالح، بخلاف تشيع الفرس (تقية) بهدف تصدير ثورتهم المزعومة لدول الخليج والعالم العربي، مستغلين العاطفة المذهبية لتحقيق هدفهم باستعادة إمبراطوريتهم الغابرة، إضافة لصدق انتماء شيعة الخليج العربي لأوطانهم واعتزازهم بها وفخرهم، وحرصهم على تنميتها وتطويرها، واستعدادهم للدفاع عنها بكل غالٍ ونفيس، حتى إن استدعى الأمر التضحية بالروح والدم.. أقول إن شيعة دول الخليج العربي أذكى من أن تستغلهم دولة الولي الفقيه فتجيشهم لتحقيق أطماعها التوسعية في المنطقة على حساب أوطانهم ومستقبل أجيالهم اللاحقة؛ وتحقيق أحلام اليقظة التي تراودها بمنافسة السعودية على زعامة العالم الإسلامي.
بل صحيح أيضاً أن إيران ستظل إلى الأبد تلعق جراحها النازفة وتبكي مجدها الغابر، الذي أسسته على جماجم الآخرين بعد غزوهم وتسخير طاقاتهم لخدمتها والاستيلاء على ثرواتهم ونهبها، معتمدة توظيف الدين على طريقتها لتحقيق أطماعها في السيطرة على الآخرين، وهو الفكر نفسه الذي ما تزال تعتمده. وفي تقديري أنها سوف تظل تعزف عليه إلى الأبد، لأن العقيدة هي أهم وسيلة لقيادة السوقة البسطاء والزج بهم في أتون مستعرة، لا تبقي من أجسادهم شيئاً ولا تذر.
لكن بالمقابل، صحيح أيضاً أنه مهما بذلت إيران من جهد ودبرت من حيل ونسجت من مكر وخبث، لن تستطيع تحقيق حلمها من خلال سعيها الدءوب لإشعال ما يعرف بـ(الانتفاضات الشيعية) في المنطقة واستغلال أتباعها لإثارة الفوضى بتأسيس إمبراطورية فارسية شيعية تعيد مجد ملوكها الغابرين على أنقاض مجد صناديد الفتح الإسلامي لبلاد فارس.. فذاك أمر قد ولَّى وقال التاريخ فيه كلمته النهائية.
وعلى كل حال، يبقى أخيراً صحيح أن إيران لن تستطيع تصدير ثورتها المزعومة للآخرين رغماً عن أنفهم، كما أنها لن تستطيع محوهم من الوجود مهما بلغ بها غرورها بقوتها. وبالمقابل لن تقوى دول المنطقة على إزالة إيران من الوجود؛ بل هي لا ترغب في هذا مبدأً أصلاً.
وعليه، فثمَّة مصير مشترك شاء هذا أو أبى ذاك، يحتم على الجميع التعامل في الموضوعات المشتركة بيننا بكل صدق وإخلاص، وعلى رأسها الأمن والاستقرار وحسن الجوار الذي هو مصلحة عليا للجميع، بل حاجة ضرورية ماسة لبقاء دول المنطقة كلها، وأولها إيران نفسها نافخة الكير. وقطعاً الأمر لا يقتصر على استقرار المنطقة، بل يشمل استقرار العالم كله، لما تمثله منطقتنا من موقع إستراتيجي للعالم.. حتى إذا تأكدت لنا عودة إيران إلى رشدها، أحسب أنه ساعتئذٍ لا مانع يحول دون توسيع دول المنطقة دائرة تعاملها معها لتشمل مناحي الحياة كلها، مع حق الجميع في اعتقاد ما يرى، واحترام الجميع عقائد بعضهم البعض؛ فأمر الاعتقاد هذا متروك لرب العباد الذي لا تخفى عليه خافية، وقد أعطى كل واحد من خلقه حرية اعتناق ما يراه من معتقد؛ غير أنه لا ينبغي لهذا أو ذاك فرض معتقده بالقوة على الآخرين.
ويبقى أخيراً على الجميع أن يدرك جيداً أننا هنا في دولة الرسالة السامية العظيمة، المملكة العربية السعودية:
تراثنا قيم.. وملوكنا قمم
وحنا مع أحبابنا.. سلم وكرم
وحنا مع أعدائنا.. موت وحمم
وحنا أشهر من علم.. وحنا خدام الحرم
أفعالنا مثل.. وأقوالنا عمل
نحمي حمى ديارنا.. سهل وجبل
والجود عاداتنا.. منذ الأزل
وعلى كل من يتعامل معنا أن يختار من هذا ما يريد، لكن ينبغي عليه أن يكون على يقين تام، أنه سيجد لدينا المزيد مهما كان اختياره: الجود والسلم والكرم، أم الموت والحمم.