د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** في إحدى محطات عمله بمعهد الإدارة – وقد امتدت واحدًا وعشرين عامًا - كان سكرتيرُه من مدينة بريدة، ولولا أن باعد الزمن بيننا فتعذّر رقمُه لاستئذانه لأورد اسمَه؛ فهو صديقٌ مضيء من أسرة كريمة، وقد روى يومًا أن جماعةً من أصدقاء والده حلُّوا ضيوفًا في منزلهم فسألوه عمَّن يكونُ مديرُه ومن أين؟ فأجابهم بأنه « فلان» من «عنيزة» فأسرع أحدهم بالرد: «عسى مهوب يوذيك»؟!
** كنا نتندرُ بها؛ فقد تهيّأَ – لثللٍ أوقفت الزمن – أن التنافسَ التكامليَّ بين المدينتين الشقيقتين ذو إطارٍ سلبيّ، وروى شيخنا العلّامة محمد بن ناصر العبودي أنهما أكثر مدينتين جمعتهما أواصرُ القربى والنسب، وتحدث – حين كرمته عنيزة في احتفال مشهود- عن توحدِهما في مواقفَ تأريخيةٍ معروفة، أما الحاضرُ فيوثقُ عمق العلائق بين أهاليهما، ولو أحصى صاحبُكم صداقاتِه وأقرباءَه ومعارفَه في عاصمة القصيم (بريدة) لمثَّلوا رقمًا كبيرًا يفوق من يعرفهم في مدنٍ أخرى، وسيظل سباقُ المدينتين وأمثالهما نهجًا تنمويًا صحيّا.
** من هذه المدينة الغالية أسعده أنْ عرف المحامي، الناشر، المؤلف، الدكتور محمد بن عبدالله المشوِّح، ولعل العلاقة توطدت حين تضامن مقترحُ علنيٌّ كتبه صاحبكم في «الثقافية» مع جهودٍ داخليةٍ بذلها أبو عبدالله فأثمرت عن إثنينية أسبوعية للشيخ العبودي بعد تقاعده من عمله في رابطة العالم الإسلامي واستقرار سكنه في الرياض، وامتدت بضعَ سنين، ثم توقفت بسبب وباء « كوفيد 19».
** تستحقُ حكاية « العبودي- المشوح» توثيقًا؛ فهي من أجمل حكايات الوفاء؛ إذ احتفى المشوح – عبر إذاعة القرآن الكريم - بتسجيل شيءٍ من ذكريات الشيخ عن رحلاته الدعويَّة في العالم، ثم عُني بآثاره فأسهم في طباعة ونشركثير من مؤلفاته، ومن يقصد «مكتبة دار الثلوثية» فسيجد جناحًا كبيرًا لمؤلفات العلامة العبودي جلُّها من منشورات الدار، وقد طُرح استفهامٌ بين عدد من المعنيين حول: من استفاد من الآخر؟» والإجابة: كلاهما، بل إن القراءَ هم أكثرُ من استفاد من ثنائيتهما فأضافا للمكتبة العربية أسفارًا وآثارًا، وامتدت رعايةُ المشوح لشيخه بعقد ندوات علمية عنه في منتدياتٍ وطنية وجامعاتٍ عربية.
** الثلوثية ليست دارَ كتب فقط؛ بل هي دارةُ تكريمٍ للباحثين في أمسياتٍ «أسبوعية» حيث صالونُها البهيُّ الذي احتفى بعشرات المثقفين والباحثين والمسؤولين تعريفًا وعرفانًا، وبعد توقف إثنينية الشيخ العبودي واصل المشوح عقد جلسة شهريةٍ مصغرةٍ باسم الشيخ وفي موعدها نفسه وقصرها على عدد محدود حتى انجلاء أزمة الوباء بمشيئة الله، وقد سبق أن أفضل على صاحبَكم بطلب تكريمه في «الثلوثية» فاعتذر، وما يزال يؤنسُه بنسختين من نتاج دارته له ولوالده في حياته ولمكتبته – رحمه الله - بعنيزة بعد رحيله.
** الدكتور المشوِّح مرجعٌ في التصانيف والمؤلفات والشخصيات، ولا يكاد يفوتُه عِلمٌ بها أو عَلمٌ منها بامتداد الوطن، كما هو محامٍ نابهٌ، ووجهٌ مجتمعيٌّ وإعلامي بارزٌ، وصديقٌ للجميع، ابتدأ من الصفر، ووصل الفجر بالعصر فأنعم الله عليه بحضورٍ نوعي في الأوساط الإعلامية والعلمية والقانونية.
** البذارُ انتشار.