صبار عابر العنزي
جملة الإعلام المعاصر أو الإعلام الجديد تحمل مضمونها وطياتها معاني كثيرة تصب في معظمها باتجاه معاكس للإعلام التقليدي المتعارف عليه وأدواته الراسخة التي توارثتها الأجيال القديمة جيلاً بعد جيل أي أنه مصطلح حديث يتضاد مع الإعلام التقليدي، كون الإعلام الجديد لم يعد فيه حكومات أو نخب متحكمة أو قادة إعلاميين، بل أصبح متاحاً لجميع شرائح المجتمع وأفراده الدخول فيه واستخدامه والاستفادة منه طالما تمكنوا وأجادوا أدواته.
وله مرادفات كثيرة مثل الإعلام البديل، الإعلام الاجتماعي، صحافة المواطن، مواقع التواصل الاجتماعي وله أدوات ضرورية مثل الجهاز الإلكتروني (حاسب آلي، هاتف ذكي، جهاز لوحي) والانضمام لأحد مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك، وتويتر، والانستغرام واليوتيوب، المدونات، وغيرها من المواقع الاجتماعية الإلكترونية النشطة والتي تشكل ثقلاً في العالم الافتراضي.
أصبح الاتصال والإعلام في الواقع المعاصر شأناً مهماً في حياة الناس أفراداً ومجتمعات بل سلطة مهيمنة وتعددت مفاهيمه ووسائله وأساليبه ومضامينه، فلم يعد يملك الإنسان فكاكاً من وصولها إليه، وتأثيرها عليه، وتنتشر بسرعة هائلة إلى الغالبية العظمى من سكان الكوكب الأرضي، حتى إنَّ وصف الإعلام بأنه السلطة الرابعة، لم يعد تعبيراً عن درجة رابعة في التأثير على أنماط التفكير والسلوك الإنساني، بل إن هذه السلطة تكاد تتحكم في السلطات الثلاث الأخرى.
ويبدو أننا في بلادنا العربية والإسلامية نتعامل مع واقع الإعلام المعاصر من موقع التلقي في غالب الأحيان، ونستخدم وسائل الإعلام وأساليبه على سبيل الاستهلاك في معظم الحالات، ونتداول العلوم والمعارف الإعلامية، نتعلَّمها ونُعلِّمُها كما تردنا من مصادرها، دون الوعي بالهوية الحضارية المميزة لأمتنا العربية الإسلامية، والقدرة على استثمار منظومة القيم الكامنة في معتقداتنا ورؤيتنا للعالم، ومركزية موقعنا الحضاري والإستراتيجي.
وتشير بعض الدراسات إلى أن وسائل الاتصال والإعلام المعاصرة تُستخدم في جوانب محدودة من الحياة الاستهلاكية الرخيصة، مع العلم بأن المضامين الإعلامية تتوزع على تنوع كبير من المجالات ذات الأثر الأكثر أهمية، لا سيما في مجال الأخبار والتحليلات والآراء وبرامج التعليم والتوجيه.
وهناك آثار سلبية للإعلام المعاصر لا يملك الإنسان أمامها إلا الاستسلام والخضوع، ولا يعني ذلك غياب الجهود التي تبذلها بعض مؤسسات الإعلام في الإسهام في مشاريع الإصلاح، سواءً الموجَّهة إلى الناشئة أو المتخصصة في البرامج التعليمية، أو التي تهتم بالتوعية العامة. ومن العدل أن نشير إلى الخبرات الناجحة والجهود المميزة لبعض المؤسسات الإعلامية والبرامج الإعلامية.
وتستدعي معالجة قضايا الإعلام المعاصر معالجة فكرية تأصيلية تتصل مباشرة بدور الإعلام في الحياة المعاصرة في المجتمعات العربية والإسلامية، وما يمثله هذا الدور من إمكانيات هائلة تستطيع أن تسهم في برامج التنمية في هذه المجتمعات، وتعين الوسائل الأخرى للتنشئة والتوجيه والتربية والتعليم في تحقيق أهداف المجتمع وطموحاته في النهوض الحضاري المنشود.
لقد نجح الإعلام الجديد في تحويل عدة قضايا هامة بعد تبنيها من قبل روّاده إلى قضايا رأي عام، لافتاً انتباه المجتمع والمسؤولين إليها، فلا يستطيع أحد اليوم أن يدعي بأنه مهتم بالشأن العام، أو قريب من نبض الشارع، ويشعر بهموم الشعب دون استخدام - مباشر أو غير مباشر - لقنوات الإعلام الجديد، ولن تنجح أي جهة تخدم المواطنين في المستقبل القريب وهي لا تملك خطة واضحة للانخراط في حراك الإعلام الجديد.
أخيراً أعتمد في مواضيعي على جهدي واجتهادات الغير وأثني عليها وأحياناً كثيرة عند الإعداد للمقال أحتاج لقراءة عشرات الدراسات المتخصصة والمقالات المحكمة، وكل ما تقع عيني عليه يتناول مواضيعي التي أنقلها لكم، وأسأل الله العلي القدير أن يوفقنا جميعاً في اجتهاداتنا محاولة منا المشاركة في بناء مجتمع مميز ومثالي يكون أبناؤه قدوة لكل الأمم.